الرئيسية مقالات واراء
سبحان مغير الأحوال، سوريا التي كانت يومًا قلب العروبة النابض، صارت اليوم مسرحًا للألم والتشظي، حيث لا صوت يعلو على ضجيج السلاح، ولا قوة تفرض نفسها إلا بمنطق الخراب. الأسد، الذي طالما تباهى بعرشه المصطنع، انكشفت حقيقته؛ لم يكن يومًا ملكًا، ولا حتى حاكمًا بحق، بل مجرد وهمٍ زرعه الخوف وسقاه الدم.
واليوم، ها هو بلا مخالب ولا أنياب، يختبئ في كهفٍ شيده الغرباء له، فيما القط الصغير، الذي بالكاد يستطيع صيد فأر، تجرأ ليضع جائزة على رأس الأسد، في مشهد سريالي يعكس عبثية الحاضر وسخافة الصراعات.
أما سوريا، فهي كما وصفها والدي -رحمه الله-: لحم كلاب بملوخية؛ مزيج فوضوي لا يحمل طعمًا ولا احترامًا، يجمع بين التناقضات التي لا تلتقي، عبثٌ يتجرّعه الجميع، كلٌ على طريقته. أرضٌ كانت حاضرة الأمويين وعاصمة الكرامة، صارت ملعبًا للصغار قبل الكبار، يتقاذفونها بين الحروب والمصالح.
وهنا تأتي الحقيقة التي لا تخفى على أحد: هذه هي نهاية كل من تغطّى بإيران، فهو حتمًا سيبقى عريان.
فإيران التي تُغري حلفاءها بوعود القوة والنفوذ، لا تعطيهم إلا سرابًا وسلاسل تجعلهم أسرى لمصالحها. الأسد الذي ارتمى في حضنها، ظنّ أنها الحصن المنيع الذي يحميه، لكنه وجد نفسه في النهاية مكشوفًا أمام الجميع، بلا قدرة ولا هيبة.
هي لعبة مصالح عمياء، حيث لا مكان للكرامة أو الاستقلال، فإيران ليست مظلة، بل فخٌ يبتلع كل من يقترب منه.
وفي ظل هذا الخراب، تُسمع صرخات الجياع، وآهات الثكالى، ووعود الكاذبين. تُباع وتُشترى المدن وكأنها رقعة شطرنج، وأهلها إما بيادق أو ضحايا.
فما بين القوى الإقليمية والدولية، والمرتزقة الذين لا ينتمون إلا لجشعهم، أصبحت سوريا جسدًا ينهشه الجميع، بلا حامٍ ولا رادع.
ولأن موازين القوة في العالم تتغير، كما تتغير الفصول، فإن ما نشهده اليوم قد يكون تمهيدًا لما هو أسوأ أو بدايةً لخلاص بطيء.
لكن السؤال يبقى: متى يستفيق هذا الجسد المنهك؟ ومتى يعود السوريون ليخطوا مصيرهم بأيديهم؟
أو أن العروبة التي وُعدوا بها كانت يومًا مجرد وهم، مثل أسد لم يكن أسدًا؟