الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    نور نمر تكتب : زها-يَمُرّ بعد ثلاثِ دقائق

    أحداث اليوم - هو نشّال يداهمك على حين غرّة وفي ومضةٍ ماكرة يأتي قاطعًا طريق الذاكرة وينتزع قطعًا ثمينة منها ويتركك في الفراغ، نعم، أنت الآن تسكن ذلك الفراغ، بلا هُوية، ضائع في الضباب، غريب عن نفسك وخائف من الابتعاد عن الأشياء التي تعرفها.


    إنَّ الأحجية ذات الأجزاء المكتملة لم تعد كذلك، فالقطع تختفي شيئًا فشيئًا بيد أنّ معظمها مفقود إلى الأبد، إنّه زوالٌ قاسٍ ومريب، فالذكريات تقطر كما يقطر الماء المهدر من صنبور التسريب.


    في البداية يكون الأمر مزعجًا بعض الشيء، لأنك تعلم أنك على حق ولكنّك لست على صواب، بعدها يصير الأمر مُحبِطًا، لا لأنّك لا تستطيع التذكّر فحسب بل لأنّه يستحيل، ولأنّه يستحيل سرعان ما يستحيل الأمر مخيفًا، مخيفًا حقًا، فالمحادثات من حولك باتت بلا معنى، وما تكاد الأشياء التي تشهدها تثير ذكرى مؤقتة حتى يبتلعها ظلام شاسعٌ في بطن الفراغ، فتختفي كأنها لم تكن.


    وما ثَمَّ شيء الا لينبئك بأنَّ مستجدات حياتك ولقطاتها المستحدثة سَتُبنى على الرمال بعد اليوم، ولن تصير ذكريات أبدًا ، فالمسرّات آنيّة بعد الآن ، مَسَرّات أشبه بالمسارات التي تُحدثها إطارات العجلات على رمال الصحراء، فتخيَّل أنّك وبينما تطلب المساعدة من شخص غريب، ما هي إلّا هنيهة حتى تقطع حديثه منصرفًا مستغربًا تطفله.

    يصبح العقل أشبه بالقلعة الموحشة بوفرة أبوابها المؤصدة والمفتوحة، قد تكون القاعات مستقيمة أو مائلة ، بمجرد أن يفتح باب ما لوقت آخر أو لمكان منسيّ ، يتم استغراقك في هذا الواقع الآنيّ حتى يقرّر إطلاق سراحك ليلتقفك واقعٌ آخر مختلف الطبائع، حتى تنتهي أنت، أنت فقط، لا الأبواب ولا الوقائع.

    فما هو إلّا أن يضمحلّ ضوء الإدراك ببطء فتتلاشى ألوان عالمك الحقيقي وتتبدّل إلى ظلال من الرماديّ المُبهم الغَبِش ثم يتضائل حجمها فلا يتبقى سوى نعش عديم اللون.


    ثلاثُ دقائق مضت، لا تخف، ها أنت ذا تستأنف استيقاظك لفرصة ثانية، ها انت ذا تستشعر وخز الشمس على بشرتك بعد ليلة طويلة بلا نوم، فتنتعش بالأضواء وتغمرك الألوان المنسيّة والمشاهد والروائح والأصوات وتدرك طَلِقًا حبّك لعصير الرمان ومخلل الباذنجان، ما يزال بإمكانك شم رائحة الخبز في ذلك المطبخ الأزرق الصغير ذي ستائر الدانتيل الأبيض، ما يزال بإمكانك رؤيتها واقفة هناك في ذلك الثوب الجميل، ولا تبرحين عزيزتي تذكرين طفلك ذا السابعة ينسلُّ راكبًا درّاجته الهوائية تحت المطر عبر الشوارع المزدحمة بغية شراء هدية عيد الأم، نعم، إنها أجزاء من الحياة، حكايات من الماضي لا ينبغي نسيانها، نعتز بها كممتلكات نفيسة نُطلقها إبّان فترات راحة أذهاننا لنشعر بها في قلوبنا، لذا ربما بالنسبة لك لم تكن هذه سوى دقائق معدودة، لكنها لا جرم في حياة الكثيرين، حقائق موجودة.





    [20-12-2024 03:17 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع