الرئيسية
مقالات واراء
أحداث اليوم - كتب الدكتور: محمد الزعبي
الطب في الأردن متقدم، ويتوهم البعض أن للمساعدات الأمريكية في المجال الطبي دور في هذا التقدم، وسبب هذا الوهم هو الحجم الهائل والمتنوع لهذه المساعدات من جهة، ودورها الأساسي في صياغة السياسة الصحية في الأردن وصولا لما هي عليه الآن بايجابياتها وسلبياتها من جهة أخرى.
وأدعي أنها السبب في الأزمة الحالية للقطاع الصحي في الأردن.
يعود الفضل للتقدم الطبي في الأردن للنمو المتسارع والكبير في أعداد الكوادر الطبية الكفؤة.
من المعروف أن شرق الأردن كان من أفقر البلاد العربية بالكوادر الطبية، حيث كان يوجد طبيب واحد لكل 10 آلاف مواطن، لكنه أصبح، فيما بعد، من أغناها بهذه الكوادر، نتيجة الإقبال منقطع النظير والمستمر ليومنا هذا على دراسة الطب، حتى وصل إلى وجود أكثر من 30 طبيبًا لكل 10 آلاف مواطن.
بدأ الأمر بهجرة الأطباء الفلسطينيين وفتح المجال للأردنيين بعدها لدراسة الطب في مصر والدول الاشتراكية، حيث بلغ عدد الأطباء الجدد في الفترة 1957-1966 حوالي 394 طبيبًا تخرجوا من: كل من مصر 171طبيبًا ومن الدول الاشتراكية والأوروبية 104 طبيبًا، والباقي من لبنان 47 ومن سوريا 37 ومن تركيا 26 ومن العراق 9.
أما في الفترة التي أعقبت بناء كلية الطب في الجامعة الأردنية 1981-1990 فقد استمر هذا الزخم وزادت هذه الأعداد حيث وصل عدد الخريجين الجدد في هذه الفترة من رومانيا 1094 طبيبًا ومن الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية 871 طبيبًا، ومن ايطاليا واليونان واسبانيا 894 ومن مصر 806، ومن العراق وسوريا 439، ومن الأردن 503 طبيبًا.
أما في يومنا هذا فالأعداد الغفيرة للأطباء هي نتيجة تكاثر كليات الطب المحلية، مما أوصل عدد الأطباء في الأردن لأكثر من 40 ألف طبيب، إضافة لوجود 30 ألفًا آخرين يدرسون حاليًا في كليات الطب.
أسباب اقبال الأردنيين على دراسة الطب كثيرة ومعقدة، لم تستطع الدولة الأردنية استيعاب الأطباء وتشغيلهم، منذ بدايات الخمسينات في القرن الماضي رغم أعدادهم المتواضعة، فما بالك بأعدادهم الغفيرة حاليًا، وتحولت بالتالي هذه النعمة إلى نقمة على الأردن، ما أدى - بتشجيع من السياسات النيوليبرالية التي فرضتها أمريكا- إلى هجرة الأطباء الأردنيين لدول الخليج طمعًا بالتحويلات المالية، وهجرتهم لأمريكا والدول الأوروبية لتغطية النقص في الأطباء الذي تعاني منه هذه الدول، وإلى نمو سرطاني للقطاع الطبي الخاص وسياسات الخصخصة (أيضا بتشجيع أو اجبار من البنك الدولي الذراع المعروف لأمريكا). الذي أدى بدوره إلى ارتفاع هائل في تكلفة العلاج وإلى عجز في القطاع الطبي الحكومي وخصوصًا وزارة الصحة في توفير الموارد اللازمة لتادية وظيفتها.