الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    المحامية هبة أبو وردة تكتب: القائد بين جنوده في رمضان: حيث تعانق الإيمان والواجب

    أحداث اليوم - في أول ليالي شهر رمضان المبارك، توحّد أبناء الراية الواحدة والسيف الذي لا ينكسر، بالزي العسكري الموحد، كجسدٍ يرتدي الوطن، جلس الملك عبد الله الثاني، وإلى جانبه ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، بين جنوده وضباطه، كوطنٍ يلتف حول سنده، حيث يلتقي رمضان والجندية في جوهرٍ واحد، فكلاهما مدرسةٌ للانضباط، وامتحانٌ للصبر، وتجسيدٌ للعطاء.
    وكما يُوثِّق رمضان في النفوس دروس الصبر والإيثار، جاء افتتاح مركز التوثيق العسكري ليحفظ ذاكرة الجيش العربي الأردني، شهادةً خالدةً للأجيال القادمة بأن الأسماء العظيمة لا تُنسى، وأن البطولات الحقيقية لا تمحى، ففي صفحاته، تُنقش حكايات الشرف، لتبقى نبراسًا ينير درب من سيحملون الراية من بعدهم.
    هذه الصورة لم تكن جديدة، بل صفحة أخرى في كتابٍ اعتاد الأردنيون قراءته، فالقائد هنا لا يجلس خلف المكاتب، بل يقف حيث يقف جنده، على مائدة لم تكن يومًا غريبة عنهم، قاسمهم الخبز كما قاسمهم المصير، وكما حملوا السلاح معًا، اجتمعوا على طعامٍ يجسد معاني البساطة والتكاتف، فهنا لا حواجز بين القائد وجنوده، ولا مسافات بين القرار ومن ينفذه.
    لم يكن الملك عبد الله الثاني قائدًا عسكريًا بالوراثة، بل بالتجربة والانضباط، إذ تلقى تعليمه في ساندهيرست، المدرسة التي لا تعترف بالألقاب، بل بالكفاءة، هناك، لم يكن مجرد أميرٍ يتدرب، بل جنديًا بين جنود، تعلّم أن القيادة ليست في إصدار الأوامر، بل في فهم التحديات التي تواجه الجندي في الميدان، والملك الذي يدرك وزن البندقية وحرارة الرمال، يكون قراره في المعركة أكثر حكمةً، لأن الحرب ليست فقط في ساحة القتال، بل في الرؤية التي تمنع وقوعها قبل أن يُسمع أزيز الرصاص.
    وعلى ذات النهج نشأ ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، الذي لا يرى في الجندية إرثًا فحسب، بل التزامًا ومسؤولية تبدأ من الصفوف الأولى، حيث لا رفاهية للوقوف خلف الحماية، بل شرف الوقوف في مقدمة من يحمي، وجوده إلى جانب والده لم يكن بروتوكولًا، بل تأكيدًا على أن القيادة في الأردن ليست انتقال ألقاب، بل امتدادٌ لمسيرة من الشرف، يرتدي زيه العسكري؛ لانه يرى في الجيش المدرسة التي تصنع القادة قبل أن تصنع الجنود، حيث الجندية ليست وظيفة، بل رسالة، والولاء ليس شعارًا، بل قناعة راسخة بأن الوطن لا يُحمى إلا بالتضحية.
    القوات المسلحة الأردنية… هذا الجيش، الممتد من روح البداوة وصلابة الجبال، جيش الحق، جيش الدفاع عن العروبة والإنسانية، حيث لم يكن سلاحه أداة للبطش، بل وعدًا بأن الأردن سيظل حصنًا منيعًا، وحاميًا لكل مظلوم، من معركة الكرامة التي أعادت للأمة هيبتها، إلى مهام السلام، كان ولازال كالنهر الذي لا يعرف التوقف، يجري حيث يحتاجه الوطن، يفيض قوةً وقت الخطر، وحنانًا وقت الحاجة.
    وفي لحظةٍ امتزج فيها الإيمان بالولاء، وقف القائد وجنده في صفٍ واحد، لا فرق بين ملكٍ وجندي، ولا بين ضابطٍ ومقاتل، فالجميع سواسية أمام الله، كما كانوا دائمًا سواسية في ميدان الشرف، صلاة الجماعة لم تكن مجرد طقسٍ ديني، بل مشهدٌ يتجاوز المكان والزمان، حيث تتجلى معاني الانضباط والتآخي، تمامًا كما في الميدان، حيث الصفوف المتراصة لا تنكسر، وحيث القيادة مسؤولية تبدأ من الصف الأول.
    على سجادة الأرض التي أقسموا أن لا يمسها عدو، وقفوا جنبًا إلى جنب، يركعون ويسجدون بقلبٍ واحد، كما اعتادوا أن يثبتوا في كل موقفٍ وميدان، يؤدون صلاتهم كما يؤدون واجبهم، بخشوعٍ لا يهتز، وإيمانٍ لا يتراجع، في هذه اللحظة، لم تكن البنادق بعيدة، ولم يكن الانتباه غائبًا، ففي قلوبهم يقينٌ بأن الجندية عبادة، وأن حماية الوطن أمانة، وأن من يحفظ العهد مع الله، يحفظ العهد مع الأرض.
    وكما يرفعون أكفهم بالدعاء، يرفعون سلاحهم بالعزم ذاته، وبين التسليم الأخير والانطلاق نحو الواجب، لا ينفصل الإيمان عن الجندية، فالوطن الذي تحميه سواعد المخلصين، لا تهزه العواصف، ولا تسقط رايته، لأن من يصلي في الصف الأول، هو ذاته من يقف في خط الدفاع الأول.
    هنا، في الأردن، القيادة ليست برجًا عاجيًا، والجيش ليس مجرد مؤسسة، بل هما وجهان لوطنٍ لم يُكسر يومًا، ولن يُكسر أبدًا.





    [04-03-2025 01:03 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع