الرئيسية مقالات واراء
أعلنت الحكومة العراقية عن سحب جزء كبير من قوات "الحشد الشعبي" من مدينة تكريت، بعد أن تجاوزت أعمال النهب والسلب والحرق والانتقام الطائفي قدرة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، على إنكارها أو تجاهلها، كما أحرجت شركاءه الأميركيين، الذين أسهموا بدرجة كبيرة في تنظيف المدينة من تنظيم "داعش"، بعد أن تراجع دور قاسم سليماني، مسؤول فيلق القدس الإيراني، على إثر فشله في الاستيلاء على المدينة سابقاً.
رئيس الوزراء حيدر العبادي، كان أمام امتحانٍ حقيقي بشأن قدرته على تقديم نموذج نظيف محترم لـ"ما بعد داعش" في تكريت، وبما يعطي المجتمع السُنّي العراقي مؤشراً مطمئناً يساعده على تجاوز "داعش" والشعور بعدم القلق من عمليات انتقام طائفية. وهو الامتحان الذي لم يتجاوزه العبادي، في الحدّ الأدنى من التقييم!
نتائج تكريت تعكس صدى ما يحدث في إدلب ومعبر نصيب والمناطق الأخرى. وهي جواب غير مطمئن أبداً وسلبي إلى أبعد الدرجات، بالنسبة للسوريين والعراقيين السُنّة عما ينتظرهم في حال فشلوا في المعارك العسكرية الراهنة، أو في حال ضعفت المنظمات المتشددة، مثل "داعش" و"جبهة النصرة"؛ فالبديل لن يكون أمنا وسلاما واطمئنانا؛ بل تهجير طائفي، وقتل وإبادة على الهوية، ومجازر وإحراق للمنازل، وانتهاك للأعراض!
ليست مفاضلة جميلة، أيها السادة، بين الحرق الذي نراه في تكريت- بعد "داعش"، والحرق الذي رأيناه في السوق الحرّة الأردنية-السورية المشتركة، بل هي مفاضلة عبثية، المتسبب فيها هي تلك الأنظمة والحكومات الطائفية التي خلقت سياساتها الاستبدادية الفاسدة وحوشاً، أو على حد تعبير الروائي العراقي المبدع أحمد السعداوي، "فرانكشتاين"؛ سواء كان هذا المخلوق المسخ المتوحش هو تنظيم "داعش" أو الميليشيات الطائفية، أو حتى الجيوش التي تحللت من أيّ قيمةٍ أخلاقية وإنسانية.
يبدو السؤال مشروعاً ذلك الذي طرحه الزميل والصديق حازم الأمين، في مقاله أمس في صحيفة "الحياة"؛ فيما إذا كان هناك فارق بين أن تكون إدلب تحت رحمة النظام السوري أم "جبهة النصرة" = "القاعدة"؟ أو فيما إذا كان الأفضل للمعارضة المسلحة أن تخرج إدلب من رحمة النظام، من دون أن تكون لها القدرة على إدارتها أو انتزاعها من يد "النصرة"؟! طالما أنّ المدينة ستكتوي بالبراميل المتفجرة، وتعاين جهنم عبر القصف المكثف من الطائرات والإبادة الوحشية في انتقام النظام من أهل المدينة ومجتمعها، بعد خسارته-الفضيحة للمدينة؟!
هي أسئلة مشروعة، بالضرورة، لكنها بالنسبة للمواطنين العراقيين والسوريين بمثابة مفاضلة بين السرطان والإعدام! بين انتهاك الكرامة والإنسانية وبين مصادرة الحريات؟ ربما ذلك يذكرنا بعبارة خفيفة الظل ثقيلة الوطأة من أحد الشيوخ العراقيين، عندما سأله الصديق الصحفي وائل عصام، عن الـ"Life Style" تحت حكم "داعش" في الموصل، فأجابه بأنّ سؤاله بالنسبة للعراقيين السُنّة بمثابة "ترف" لا مفكّر فيه؛ إذ هم يتحدثون عن الصراع على الـLife نفسها!
وبمناسبة الـ"لايف ستايل" وأسئلة الهوية، من قال إنّها لم تتغير في باقي المدن التي تقبع تحت سيطرة النظام السوري أو العراقي مثلاً؛ فمن يزور دمشق هذه الأيام يجد مظاهر التشيع تملأ المدينة، والاستيلاء على المنازل من قبل الغرباء الإيرانيين والجيش السوري أصبح أمراً مشروعاً، حتى إن أحد القادمين من مطار دمشق تفاجأ بأنّ الموظف المسؤول (في الجوازات) غير قادر على قراءة اسمه بالعربية، لأنّ لغته الأصلية هي الفارسية!