الرئيسية مقالات واراء
تبدو بعض التواريخ كما لو انها تنافس التاريخ الميلادي من حيث التصنيف الزمني الى ما قبل وما بعد، قيل هذا عن احداث الحادي عشر من ايلول عام 2001 وعن حراكات عربية اسقطت نظما، وقد يقال الان عن لوزان وما شهدته من صولات وجولات بين ايران والدول الستّ او الخمسة زائدا واحد كما تقول وسائل الاعلام، بالطبع لن نردد ما قاله الراحل ياسر عرفات عن الحرب ضد العراق، وتحديدا في تلك الليلة الليلاء التي شهدت البدء بمئة ألف غارة على العراق، قال عرفات قبل ان تضيء القنابل سماء بغداد المظلمة، ان ذلك اليوم هو مجرد يوم آخر، لكنه لم يكن كذلك، وأذكر انني سارعت الى البحث عن عدد من مجلة النيوزويك كنت احتفظ به بعد شرائه من السّوق الحرة بمطار موسكو عام 1989، وكان غلافه بالحرف الواحد : ليالي العراق المظلمة، وكان العدد قد صدر قبل الثاني من أب لكن تقارير الادارة الامريكية خصوصا تلك التي اوصى بها بول فويتس كانت قد قررت اسقاط النظام في العراق قبل احد عشر عاما من حرب الخليج الثانية، وتلك حكاية تطول .
فهل سيتغير العالم بحيث يصبح ما قبل لوزان وما بعدها، ام ان المعلن من التصريحات والمقايضات والصفقات السياسية يخفي في النوايا ما هو أعظم؟ لقد احتفل الايرانيون ودقوا الطبول لمجرد سماعهم النبأ من لوزان، وذلك ليس احتفالا بانتصار نووي بل لأن العقوبات الاقتصادية التي لحقت بايران زمنا طويلا اصبحت وشيكة الانتهاء، فالشعوب في نهاية المطاف تحلم بحياة اقل شظفا خصوصا في عصر استهلاكي كهذا تحول الانسان فيه الى اسفنجة لها مئات الأفواه .
وبالطبع كان للعرب قراءاتهم المتباينة بل المتناقضة لما يحدث في لوزان، لأنهم الان في خنادق مُتقابلة وليست متجاورة، فمن تبنوا الموقف الايراني سياسيا واستراتيجيا صفقوا للحدث لأن ايران سوف تستعيد عافيتها وبالتالي تواصل السعي نحو الاهداف التي اعلنتها، ومن تعاملوا بحذر منذ البداية مع ايران واستراتيجيتها قالوا على الفور انها سوف تتفرغ لاستراتيجية التمدد على حساب جيرانها وبين القراءتين ثمة منطقة رمادية مخصصة لما يسميه الناشطون المصريون حزب الكنبة، وهؤلاء ينتظرون كالعادة، ويبحثون عن قرائن متاحة لترجيح كفة على اخرى .
ما قبل لوزان كان الإقليم يعاني من عدة اختلالات في الموازين والتوجهات وسيبقى كذلك ما بعد لوزان، لأن ما بادر اليه الرئيس اوباما على الفور هو رغبة ادارته في طمأنة عدة اطراف معا، رغم ان القرائن التي ينتظرها حزب الكنبة العربي لاحت في الافق وهي ان الولايات المتحدة لا تحب ولا تكره بل تبحث عن طرف قوي يظفر بفرصة الوكيل !