الرئيسية مقالات واراء
عند النظر للوضع في الأردن ومقارنته مع الأوضاع في دول الإقليم، يخلص كثيرون إلى استنتاج مفاده أن مشاكل دول الجوار داخلية بامتياز، بينما مشكلة الأردن إقليمية بالدرجة الأولى.
الوقائع تسند بشكل قوي هذا التوصيف؛ فالأردن لا يعاني من اضطرابات داخلية وأزمات سياسية وأمنية، كما هي حال سورية أو العراق وسواهما من بلدان عربية. لكنه بحكم موقعه الجيوسياسي، والاقتصادي، فإنه يتأثر بالأزمات من حوله أكثر من دول المنطقة الأخرى.
لقد تفاقمت مشاكل الأردن الاقتصادية في السنوات الخمس الأخيرة، بفعل الظروف الإقليمية المحيطة. انقطاع الغاز المصري رتّب كلفا باهظة، وعجزا بالمليارات في الموازنة. ونزوح نحو مليون سوري إلى الأردن، فاقم من مشكلات القطاعات الخدمية، ورفع معدلات البطالة في صفوف الأردنيين. ومع مرور الوقت واستمرار تدفق اللاجئين من دول عربية مختلفة إلى الأردن، تتحول المملكة إلى خزان كبير للاجئين، قابل للانفجار في أي لحظة.
تردي الأوضاع الأمنية في العراق أعاق التجارة الأردنية، وعطّل المشاريع المشتركة، خاصة مشروع أنبوب البترول. مع سورية يحدث أمر مشابه؛ فبعد إغلاق معبر جابر الحدودي، توقفت حركة النقل البري بين البلدين.
المؤسستان العسكرية والأمنية تواجهان ضغوطا متزايدة وتحديات غير مسبوقة، بسبب الأوضاع الأمنية المتردية على حدود الأردن مع سورية والعراق، وتزايد خطر الجماعات الإرهابية التي نشأت وترعرعت في مناخات الفوضى السائدة في عديد الدول العربية.
ولم يعد الأردن مثلما كان من قبل؛ نقطة جاذبة للمستثمرين والسياح، لأننا فقط جزء من إقليم يعاني من اضطرابات كبيرة، لا تشجع المستثمرين أو السائحين على القدوم إليه.
لسنا طرفا في تلك الأزمات، ولا جزءا منها. لكن، وبسبب موقعنا واعتماد اقتصادنا على دول الجوار، أصبحنا ضحية لأزمات ليست من صنع أيدينا.
هذا ما حصل. وإليه يمكن أن نعزو جانبا كبيرا من أزماتنا الداخلية على مختلف الصعد. لكن يُخشى أن يوظف هذا المنطق من طرف الحكومات للتحلل من مسؤولياتها، وإلقاء اللوم على الظروف الخارجية فيما نواجه من تحديات ومشاكل داخلية.
هل نحن حقا بلا خطيئة؟
بالتأكيد لا؛ فقد ارتكبت الحكومات المتعاقبة من الأخطاء والخطايا، ما يعادل المشاكل التي نجمت عن ظروف خارجية؛ قبل وأثناء وبعد ما كان يعرف بالربيع العربي. أخطاء في إدارة ملفات الاقتصاد والسياسة والخدمات. خذوا قطاع الطاقة مثلا؛ فقبل أن تتوقف مصر نهائيا عن تزويد الأردن بالغاز الطبيعي، توفرت لدينا مؤشرات قوية على مثل هذا الاحتمال. لكن الحكومات تباطأت في إيجاد الحلول البديلة، إلى أن وصلنا إلى النقطة الحرجة، فلم يكن أمامنا غير الاعتماد على الوقود الثقيل، وبأسعار مرتفعة، لتوليد الكهرباء.
وفي واحد من أخطر الملفات، أعني ملف اللاجئين السوريين، عانينا منذ بداية الأزمة من تخبط شديد في إدارته. فقد اتسم عمل السلطات المعنية بالعشوائية، واعتمد سياسة الفزعة، إلى أن بلغنا درجة أصبح فيها الملف مصدرا رئيساً من مصادر التهديد الأمني.
وفي وقت أحوج ما نكون فيه لفرض سيادة القانون وإعلاء شأنه، انتهجت الحكومات سياسة متساهلة مع التجاوزات في جميع القطاعات، فتحولت مناطق كثيرة في البلاد إلى بؤر ساخنة وخارجة عن السيطرة، وتطلب إخضاعها لسلطة القانون من جديد إلى جهود أمنية مضاعفة. كما أن المشاكل المرتبطة بانعدام أشكال المساواة، وتفشي الواسطة، والتذمر من الفساد، تبقى تحديات كامنة، تؤرق قطاعات شعبية واسعة.
عشرات الأمثلة يمكن سردها على هذه الحال. لكن ما ينبغي استخلاصه من مقارنة الأردن بدول المنطقة المضطربة، هو أن إهمال التحديات الداخلية، والاكتفاء بردها لعوامل خارجية، قد يقلب وضع الأردن، ويجعل من مشكلاته الداخلية سببا لمتاعبه.