الرئيسية مقالات واراء
العلاقة الوطيدة والقوية بين الأردن والسلطة الفلسطينية، ورئيسها محمود عباس، اعتبرت في السنوات الأخيرة ثابتا من ثوابت السياسة الأردنية والفلسطينية أيضا.
أبو مازن ضيف دائم على القصر الملكي، واللقاء معه بند ثابت على أجندة الاجتماعات الدورية؛ لايمر شهر إلا ويزور عمان مرة أو مرتين. وفي كل زيارة يحظى بلقاء رفيع المستوى.
منذ أشهر لم نعد نرى أبو مازن في عمان. يزورها كراكب "ترانزيت" لوجهات عديدة في العالم، لا يقابل مسؤولين كبارا، ولاينال ماكان من حفاوة استقبال.
تحدث مسؤولون كبار قبل فترة عن خلافات في وجهات النظر مع الرئيس الفلسطيني، لكن مضمون هذه الخلافات تمحور حول قضايا تفصيلية، وليست جوهرية. مواقف الطرفين من المسائل الأساسية لم يطرأ عليها أي تغيير. الأردن مايزال ينظر إلى عباس بوصفه الرئيس الشرعي، وللسلطة الفلسطينية باعتبارها الجهة الممثلة للطرف الفلسطيني، دون انتقاص من مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني.
الأمور التي جرى تداولها كمواضيع خلاف، لاتبرر ولا تفسر هذا الجفاء في علاقة الطرفين. ثمة شيء مخفي دفع بالعلاقة إلى حد القطيعة، لايتحدث عنه الطرفان في العلن.
مسار التباينات في المواقف بدأ منذ الوقت الذي قررت فيه السلطة الفلسطينية التوجه إلى مجلس الأمن لطلب الاعتراف بدولة فلسطين. كان للأردن مآخذ على التوقيت والطريقة. وقد جرت في هذا الشأن مداولات طويلة في أروقة مجلس الأمن بين الأردن، بوصفه عضوا غير دائم في المجلس، والمجموعة العربية، وممثل فلسطين. وتحدثت تقارير إخبارية في حينه عن خلافات عاصفة حول صيغة مشروع القرار المقترح من الجانب الفلسطيني، والذي صوت غالبية أعضاء مجلس الأمن برفضه.
هل كان هذا التباين في المواقف سبب الجفاء بين الطرفين؟ ربما، لكن العلاقة الأردنية مع السلطة الفلسطينية، شهدت من قبل خلافات حول مسائل مشابهة، غير أنها لم تؤدِ يوما إلى الدخول في مربع الأزمة.
لقد شهدت الأسابيع الماضية تطورات مهمة تخص الملف الفلسطيني، لعل أبرزها الانتخابات في إسرائيل، وعودة نتنياهو بحكومة يتوقع أن تكون أكثر يمينية، ومع ذلك لقاء بين القيادتين الأردنية والفلسطينية لتدارس الموقف، وتنسيق الخطوات، كما كان يحصل في السابق.
وعلى المستوى الأممي تدور خلف الكواليس مناقشات جادة حول مشروع قرار تنوي فرنسا بالتنسيق مع الأردن، الذي يرأس حاليا مجلس الأمن، التقدم به لتحريك المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. وتقابل هذا التحرك الدبلوماسي، إرهاصات أولية مبشرة لموقف أميركي مختلف حيال سياسات حكومة نتنياهو الجديدة.
كل هذه التطورات حركت خطوط الاتصال بين عديد العواصم الإقليمية والدولية، باستثناء خط عمان رام الله الذي مايزال ساكنا بلا حركة. حتى المسؤولون الأقل درجة من الرئيس الفلسطيني، مثل كبير المفاوضين صائب عريقات؛ ضابط الاتصال بين وزارة الخارجية الأردنية والسلطة الفلسطينية، لم يعد هو الآخر يظهر في عمان.
صحيح أن الأردن مشغول في الحرب على الإرهاب، وأبو مازن منهمك في إدارة الخلاف مع حركة حماس، وخصمه العنيد محمد دحلان. لكن وسط انشغالاتهما الكثيرة، كان الطرفان يجدان الوقت الكافي للعمل سويا على ملف يعد أولوية أردنية وفلسطينية.
ماذا حصل كي يصبح اللقاء متعذرا طوال هذه المدة؟