الرئيسية مقالات واراء
يسود شعور بخيبة الأمل في أوساط رسمية، بعد أن أظهرت مؤشرات مسحية حديثة أن نسبة من يؤيدون تنظيم "داعش" في الأردن عادت إلى ما كانت عليه قبل الجريمة البشعة بحق الشهيد الطيار معاذ الكساسبة.
قبل تلك الجريمة، كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أن 4 % من الأردنيين يؤيدون هذا التنظيم الإرهابي. لكن النسبة انخفضت بعد تلك الحادثة التي هزت الرأي العام الأردني والعالمي، ثم عادت واستقرت على نفس النسبة السابقة بعد أشهر.
معنى هذه النسبة أن هناك نحو 100 ألف أردني يتعاطفون مع "داعش" ومن على شاكلته من التنظيمات الإرهابية.
ما يثير القلق ليس وجود هذه النسبة؛ ففي ضوء الأوضاع التي يعيشها الإقليم من حولنا، وتنامي العصبية الطائفية، والتراث "العريق" لمثل هذه التنظيمات في المجتمع الأردني، تبدو النتيجة منطقية. المقلق حقا هو فشل مؤسسات الدولة والمجتمع في استثمار حالة العداء التي تشكلت ضد الجماعات الإرهابية بعد حادثة الطيار الشهيد. كيف أفلتت تلك اللحظة من أيدينا؟
منذ اليوم الأول لدخول الأردن في مواجهة مع الإرهاب، وما ترتب عليها من تداعيات عسكرية وأمنية، كان السواد الأعظم من المهتمين بالشأن العام يضغطون من أجل برنامج داخلي لمكافحة التطرف، مواز للبرنامج العسكري والأمني.
كانت الاستجابة الرسمية محدودة جدا، لا بل وغاية في التواضع والسطحية؛ من حيث مضمون البرامج المقترحة، وافتقارها لآليات التطبيق، ناهيك عن عجزها عن إدراك حجم المشكلة وميادين المواجهة.
وعوضا عن بناء استراتيجيات عميقة وذكية، انشغلت نخب الدولة وساستها في مهرجانات خطابية وتعبوية، وتنظيم مؤتمرات نخبوية في فنادق عمان والبحر الميت، تردد نفس "المونولوج" الساذج في مقاربة مسائل كالإصلاح الديني والسياسي والتعليمي والثقافي.
كان النقاش وما يزال يدور في الطوابق العليا للمجتمع، ولم يصل الصوت، لو لمرة واحدة، إلى القاع، مع أن أجهزة الدولة تملك خريطة دقيقة وتفصيلية للمناطق والبؤر الحاضنة للتطرف، والفئات الاجتماعية الأكثر تأثرا بخطاب الجماعات العنيفة. وفي بعض المواقع، تحوز على قائمة بأسماء الأشخاص المؤثرين في هذا الميدان. بيد أنها لم تستثمر ما لديها من رصيد في بنك المعلومات، لبناء سياسات وخطط عملية لاحتواء هذا المرض الخبيث.
في غياب الاستراتيجيات والخطط الفاعلة، كان من الطبيعي أن تعود الأمور إلى سابق عهدها بعد أن هدأت الخواطر، وخفتت حدة الانفعال الشعبي. ومن غير المستبعد أن تعود نسب التأييد إلى الارتفاع في المستقبل، خاصة وأن مناخات المنطقة تزداد احتقانا مع دخول الفوضى مرحلة المواجهة الطائفية بعد حرب اليمن، وحنين بعض الدول العربية إلى سنوات قريبة مضت، كان التحالف فيها مع الجماعات الإرهابية مكشوفا على كل المستويات.
قد لا يكون بوسعنا في الأردن أن نقاوم الرياح العابرة للحدود. لكن بمقدورنا أن نحتوي آثارها الداخلية، وأن نعالج الثغرات القاتلة في مجتمعاتنا المحلية وخطابنا على مختلف الصعد. ففي هذا المضمار، لم نفعل شيئا بعد. ونكتفي بفتح أيدينا لصد الخطر الخارجي.
***
تنويه
ورد في مقالي أول من أمس حول التعديلات الدستورية، أن اللجنة الملكية لتعديل الدستور تجاهلت المقترح المتعلق بجعل رئاسة مجلس النواب لسنتين بدلا من سنة واحدة. وقد نبهني معنيون إلى خطأ في هذا القول؛ إذ إن اللجنة الملكية نسبت بهذا التعديل، وأقرته حكومة الدكتور معروف البخيت، إلا أن مجلس النواب هو من رفضه. أعتذر عن هذا الخطأ، وأشكر من اتصل لتصويبه.