الرئيسية مقالات واراء
في إحدى التعاليل الشتوية ، جاء الذكر على أثرياء المدينة الجدد، كل وسيرته الذاتية والسبل التي قادته للثراء وذلك من باب "نبش" الحديث وتقصير الليل ليس الا ، فحكّ زعيم "المنجطلين"* رأسه ثم ميّل العقال قائلاً...بتعرفوا: "أبو العبد" ما غيره ، كان حراث عندنا..هو وأمه وأخوته وخواته كلهم كانوا يحرثوا بأرضنا...فسأله احد الخبثاء..طيب هسع وين صارت أرضكو؟..فرد "المنجطل" ببرود...أخذهن ابو "العبد"!.
تذكّرت هذه القصة بكل تفاصيلها، عندما اكتشفت أن أكثر من ثلاثين ألف دونم زراعي من أراضي الرمثا ولوائها وحوارة والنعيمة يقوم باستثمارها وزراعتها شخص واحد غير أردني وغير عربي حتى ، حول حوران المنسية بسنوات قليلة الى "غور جديد" من منتوجات الخضروات المختلفة على حساب محاصيل القمح والشعير ..الغريب العجيب أن أصحاب الأراضي الأصليين التي استأجرها منهم هذا الشاب المكافح صاروا يعملون بــ"تركتراتهم" كحرّاثين عند المستثمر الجديد وكأن التاريخ يعيد نفسه للمرة الألف دون ان نستفيد اي درس او عبرة او نتجنّب نفس اللدغة التي "تلطّنا" كل يوم من نفس الجحر...
انا لست ضد ان يتم استثمار هذه الأرض من قبل هذا المزارع المجدّ فلكل مجتهد نصيب وأسأل الله ان يبارك له في تعبه ورزقه ، لكني أسأل نفسي لماذا تفشل المشاريع معنا وتنجح مع غيرنا..لماذا تخسر الفوسفات في الأردن وتربح في بروناي..لماذا تخسر الاتصالات في الأردن وتربح مع فرنسا،لماذا تخسر البوتاس في الأردن وتربح مع كندا..
ثم لماذا لا تقدّم الحكومة نماذج تشجيعية حقيقية لنستثمر أرضنا بأيدينا وعرقنا ومائنا...ماذا لو قرر هذا الشاب ان يوقف زراعاته وان يسحب استثماراته ويعود الى بلاده...كم ستصبح كيلو البطاطا في الوطن المعطاء...لماذا تعوّدنا على الزنود الباردة، وأدمنّا على وظيفة الكرسي حتى لو كان "كرسي" بلاستيك لحارس ليلي...او طربيزة في "بوفيه" متر بمتر في مؤسسة حكومية....الأرض تطلب أهلها كل حين..لكنهم للأسف لا يلبّون النداء.