الرئيسية مقالات واراء
ثمّة اختلاف كبير في الأوساط السياسية والنخبوية، وربما الشعبية العربية، في الموقف من إيران ونفوذها المتنامي أو دورها الإقليمي في المنطقة العربية؛ مع تنامي الحساسيات المذهبية والقومية في الدول العربية المعنية (العراق وسورية واليمن ولبنان).
هناك اتجاه سياسي عربي موالٍ لإيران إلى الصميم اليوم. والمفارقة أنّ أغلبه من اليساريين والقوميين والمحافظين؛ يرى أنّ إيران حليف وصديق ودود، وأنّها الخندق الحقيقي لمواجهة الصهيونية أو الأصولية الدينية المتطرفة، وحماية وحدة سورية وحزب الله.
بالطبع، يقوم هذا التيار بعملية "تحايل نفسي" كبيرة وفجّة، والتفاف أيديولوجي، عندما يبرر الصفقة الإيرانية مع الولايات المتحدة الأميركية، وينسى أن نظام الحكم شبه الديني هناك، ويقف مع أنظمة مستبدة فاسدة موالية لإيران، ويقفز عن السياسات الطائفية!
في المقابل، هناك صوت ينتقد السياسات الإيرانية من منظور سياسي أو ديمقراطي أو وطني، يستند إلى خطاب عقلاني، حتى في تبرير الحرب في اليمن؛ سواء بتفسير ذلك بوضع حدّ للانقلاب الحوثي، أو حماية المصالح الوطنية السعودية، أو وقف التغوّل الإيراني غير المبرر، ما ينطبق على العراق وسورية.
لكن ما هو أخطر من ذلك، أنّ هناك اتجاهاً عربياً متنامياً، ينتمي إلى الحاضنة الإسلامية-الدينية عموماً، ينقد إيران ونفوذها في العراق وسورية ولبنان، ويدعم الحرب الراهنة في اليمن، من منظور عقائدي طائفي-صدامي، يقوم على المواجهة العقائدية مع إيران والشيعة معاً، بوضعهما في الحزمة نفسها، فيقدم خطاباً يحمل في ثناياه موقفاً عدائياً تخوينياً ليس فقط من إيران، بل من الشيعة عموماً.
ما يدفع إلى القلق الشديد هو ألا توقف الحكومات العربية هذا الخطاب، أو أن تفكّر في توظيفه لتنفيذ أجندات سياسية. فهذا الخلط من المفترض أن ينتهي، وأن يتم وضع نقاط مهمة (بل أكثر أهمية) على الحروف، حتى لا نخسر كل شيء.
النقطة الأولى، أنّ الاختلاف أو الصراع أو الأزمة أو العلاقة -كما تريد أن تسميّها- مع إيران، هي علاقة سياسية قائمة على اعتبار المصالح الوطنية والقومية وموازين القوى والاعتبارات الواقعية، وليست علاقة ذات طابع مذهبي أو عقائدي. حتى النظر إلى الموضوع الطائفي، فإن ذلك يتم عبر البعد الجيو-استراتيجي له، وتوظيفه من قبل إيران، وليس عبر استدعاء ميراث الأزمة السنية-الشيعية.
النقطة الثانية، الابتعاد عن خطاب الكراهية الطائفي المذهبي تماماً، وتجنب ربط إيران بالشيعة دائماً. فبغض الطرف عن توظيف طهران للعامل الشيعي، فإنّ مسألة الشيعة العرب هي مسألة داخلية عربية بامتياز، وهم مواطنون لهم حقوقهم الدينية والسياسية، ومن يتحمل المسؤولية عن دفعهم نحو إيران هي بالدرجة الأولى السياسات العربية الفاشلة، داخلياً وخارجياً.
خطاب الكراهية، الذي يقوم على التخوين والتكفير والتشكيك والتحريض والتجنيد على أسس دعائية تنتمي لأبعاد مذهبية وطائفية، ليس مؤذيا فقط للمواطنين-الشيعة العرب، بل هو مؤذ لقيم الأوطان وفلسفاتها وأسس علاقة المواطن بدولته، التي من المفترض أن تحكم بمعايير القانون والعدالة والمساواة واحترام التعددية الدينية والمذهبية والسياسية، وتقديس السلم الأهلي وحقوق الإنسان وتجريم التحريض والاعتداء الرمزي والسياسي والحقيقي.
برأيي أن إيران ارتكبت أخطاء وخطايا في المنطقة العربية بحق السوريين والعراقيين واللبنانيين واليمنيين. وبرأيي، أيضاً، أنّ السياسة الإيرانية قومية توظف العامل الشيعي. وبرأيي، ثالثاً، أنّ هناك أصولية دينية في إيران تعادل التطرف السُنّي. لكن برأيي أنّنا إذا انزلقنا إلى الخطاب الطائفي، مباشرة أو غير مباشرة، فسنخسر نحن قبل غيرنا أوطاننا؛ جغرافية وقيما وسلما.