الرئيسية مقالات واراء
أدعو السادة القراء أن يعودوا إلى محرك البحث الشهير "غوغل"، لمطالعة تصريحات رئيس الوزراء والوزراء الكرام حول موقف الحكومة الحازم والقاطع بعدم السماح للاجئين الفلسطينيين في سورية بالدخول إلى الأردن، ضمن موجات اللجوء السوري التي اجتاحت الأردن في السنوات الثلاث الماضية تحديدا.
ستجدون سيلا من التأكيدات، المدعومة بالبينات السياسية والقانونية التي تبرر قرارا كهذا، كان محل نقد وسخط المنظمات الحقوقية؛ الدولية والوطنية.
لكن تقرير "الغد" أمس، والذي كشف عن دخول ما يقارب الثلاثين ألف لاجئ من فلسطينيي سورية إلى الأردن، وإقرار "الأونروا" بأن 17 ألفا منهم قد راجعوا مكاتبها في عمان، يُظهر بالدليل أن مواقف الحكومة الحازمة والقاطعة، لم تكن في الواقع إلا كلام "فشنك"، على ما نقول بالعامية.
"فشنك"، يعني كلاما في الهواء لا قيمة له؛ لا بل في حالتنا هذه، إخفاء متعمد للحقائق، وتزييف للوقائع.
لننتبه، نحن هنا لا نناقش في حق فلسطينيي سورية في دخول الأردن من عدمه؛ فتلك مسألة حولها جدل طويل. موضوعنا هو سلوك الحكومة المريب حيال هذا الملف، وخداعها الرأي العام الأردني.
لقد كانت الحكومة تؤكد كل ما كان يسألها أحد، بأن مجموع من دخلوا إلى الأردن من أبناء المخيمات الفلسطينية في سورية، لا يتعدى المئات، وهم موجودون في سكن "سايبر ستي" بمدينة الرمثا. بالفعل، هناك المئات في المكان المذكور منذ بداية الأزمة في سورية. لكن الحقائق تكشف اليوم أن هؤلاء واجهة تستخدمهم الحكومة لإيهام الرأي العام بصدقية موقفها، بينما الحقيقة غير ذلك.
الحقيقة أن عشرات الآلاف دخلوا البلاد؛ إما بواسطة تأشيرات قانونية، أو متخفين بهويات سورية. والعملية بدأت قبل حكومة د.عبدالله النسور، واستمرت في زمنها، وحتى نهاية العام 2013 تقريبا.
لم يعترف مسؤول حكومي واحد بهذه المعلومات، قبل أن تكشفها ملفات "الأونروا"، ومتابعة "الغد" للموضوع. وفي الأرقام المعلنة عن أعداد اللاجئين السوريين في الأردن، لا يأتي ذكر لهذه الفئة.
ما الذي حصل إذن؟
حسب تقدير عاملين في مجال الإغاثة الإنسانية، كانت هناك حالة من الفوضى على الحدود الأردنية السورية في البداية، ولم يتوفر نظام تدقيق للتأكد من هويات اللاجئين؛ ما سمح لأعداد كبيرة من أبناء المخيمات الفلسطينية في سورية بدخول الأردن، من دون أن تتمكن السلطات الأردنية من ضبطهم. وفي مرحلة من المراحل، تنبهت جهات رسمية إلى أن وزارة الداخلية في عهد حكومة سابقة، كانت تمنح تأشيرات دخول لفلسطينيي سورية أسوة ببقية الجنسيات.
بالنتيجة، أدركت الجهات الرسمية، وفي وقت متأخر، أنها وقعت في ورطة، ليس بالإمكان تفاديها. فقررت التستر على الموضوع، تحسبا من ردة فعل الشارع.
لكن مهما يكن، فإن من الصعب إخفاء الحقيقة إلى الأبد، وها هي تتكشف بكامل تفاصيلها.
إن كان هناك شيء يمكن فعله، فهو أن تتقدم الحكومة ببيان تفصيلي للرأي العام حول هذا الملف.
أما بخصوص العائلات المحتجزة في "سايبر ستي"، فلم يعد هناك مبرر لاستمرار حجزهم. أفرجوا عنهم، واسمحوا لهم بدخول البلاد؛ فما تأثير 300 شخص مقارنة بثلاثين ألفا؟!