الرئيسية مقالات واراء
ما من وسيلة لم تُجرب للقضاء على ظاهرة العنف المخجلة في الجامعات الأردنية. حملات التوعية، وتغليظ العقوبات؛ فصل العشرات من الطلاب سنويا، وحرمان آخرين من الدراسة لعدة فصول. وفي عديد المشاجرات، جرى تحويل المتورطين إلى محكمة أمن الدولة.
لقد سالت دماء غزيرة على مدار السنوات الماضية، وفقدنا شبابا بعمر الورود. لا الطلاب اتعظوا، ولا الأهالي؛ ما يزال بوسع طالب الجامعة "نتع" المسدس على خصره على مرأى من والديه، ولاحقا "البومبكشن".
المشكلة في الجامعات هي في النوعية. عشرات الآلاف من الطلبة لا يستحقون المقاعد الجامعية التي حصلوا عليها. لم ينافسوا لكسبها، ولم يدخلوا امتحان قبول، كما الجامعات المحترمة في العالم. وحين يتخرجون، لا يملكون الحد الأدنى من المهارات التي تؤهلهم للمنافسة على وظيفة في الصومال.
ما حاجة الأردن بآلاف الخريجين في تخصص العلوم السياسية. جلهم لا يتقنون لغة أخرى، وحتى لغتهم لا يجيدون كتابة سطرين باستخدامها من دون أخطاء؟ تعاملنا في الصحف مع عينة منهم؛ معرفتهم بالسياسة كمعرفة أي مواطن بعلم الفلك.
ومثلهم الآلاف من خريجي كليات العلوم الإنسانية والإدارة العامة، وما شابه من تخصصات راكدة لا مكان لها في سوق العمل.
الجامعات في الأردن تحولت إلى "مولات"، كل ما يهمها هو زيادة عدد الزبائن. برامج القبول أقرب ما تكون إلى عروض لجذب المتسوقين. الجامعات في الأردن أصبحت أسواقا؛ لا تعنى بالنوعية، بل بالزبائن. المهم طلبة "زبائن" يدفعون الرسوم لشراء سلعة اسمها الشهادة الجامعية.
نحو ربع مليون طالب جامعي يجلسون على مقاعد الدراسة في الأردن، في بلد لا يزيد عدد سكانه عن ستة ملايين ونصف المليون نسمة. نسبة لا مثيل لها في بلدان العالم. في الجامعة الأردنية "أم الجامعات"، حوالي 45 ألف طالب، بينما طاقتها الاستيعابية تقل عن نصف هذا العدد.
الهيئات الأكاديمية تعجز عن الإحاطة بمتطلبات العملية التعليمية بفعل تضخم القاعدة الطلابية. في المقابل، تغرق الجامعات بجيوش من الإداريين تفوق في تعدادها الأساتذة.
مهما حاولنا للخروج من هذا المأزق، فلن ننجح. العمل الطلابي والحزبي بمعناه المعروف، لن يحقق أهدافه برفع سوية التفكير والممارسة وسط هذه البيئة المكتظة. النشاطات الطلابية مهما توسعت وتنوعت، فلن تتمكن من الوصول إلى هذه الجماهير العريضة في الساحات الجامعية.
الحل في الجامعات يحتاج إلى قرار شجاع؛ خفض نسبة المقبولين إلى النصف فورا في الجامعات الحكومية والخاصة؛ فالوضع في الأخيرة ليس بأحسن حال من "الحكومية".
القبول بالصيغة الحالية يعود في جذوره إلى الدول الشمولية؛ مصر وسورية والعراق. لقد نسخنا تجربة المصريين تحديدا. وبالمناسبة، الجامعات المصرية اليوم لا تختلف عن نظيراتها الأردنية، من حيث مستوى الخريجين وقدراتهم.
ليكن القبول في الجامعات على أساس امتحان تنافسي خاص بكل كلية وتخصص، ومن يجتاز الامتحان ينال مقعدا. وبالتوازي مع ذلك، ينبغي على الدولة إخراج مشروع قانون الكليات الجامعية التقنية والمهنية من الأدراج، لاستيعاب خريجي الثانوية العامة، وتعليمهم وتأهيلهم بمهن، السوقان الأردنية والخليجية بحاجة ماسة لها.
في بلد بحجم الأردن، يجب أن لا يزيد عدد طلبة الجامعات الحكومية والخاصة عن 100 ألف طالب. ما تبقى فائض عن الحاجة.
من دون ذلك، سيبقى مؤشر التعليم العالي في هبوط مستمر، وسيظل اسم الجامعات الأردنية مقترنا بالمشاجرات، لا بالكفاءات.