الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    نافذة على الجحيم !

    يحرمنا هذا الايقاع المتسارع والمحموم للأحداث من استيعابها وتحليلها، فنحن اصبحنا كمن يقطع مستنقعا يعجّ قاعه بالأفاعي والعقارب والاشواك، يضع يدا على أنفه كي لا تزكمه الروائح السّامة ويحاول كالقط ان يحمي جسده باليد الاخرى، فالنار تواصل التهام كل ما تصل اليه من هشيم، ونظرية جحا البائسة القائمة على سلامة بيته، بلغتها النيران كما بلغت ذويه وجسده ! فمنذ قرون والعربي يحفر في جدار زنزانته ليجد نفسه في زنزانة اضيق واشد اظلاما، وكأن حكاية كريستو ترجّلت من الاسطورة الى هذا الواقع المشحون بكل محاصيل الكراهية والانتقام.

    لم يحدث من قبل ان تحولت الشاشة الى نافذة على الجحيم، قتل هنا ودمار هناك، والدم يرشح من كل الشاشات ولا يستطيع المرء ان يغمض عينيه او يشيح بوجهه عما يرى، لأن النار تقترب من سريره ومن مهد طفله، ولم يعد في هذا العالم الموبوء والمنكوب من يركن الى كونه استثناء او على رأسه ريشة، او في جيبه بوليصة تأمين تحميه من هذا الوباء. ومن بلغت بهم الانانية حدا من الجنون دفعهم الى القول اذا جاء الطوفان اصعد على ظهر ابنك كي تطفو، لم تعد انانيتهم تحميهم لأن الطوفان لا احد يطفو عليه ، وحين تحترق الغابة بكل ما فيها لا ينجو الا من كان له جناحان ونحن البشر لا اجنحة لنا، فإما اطفاء الحريق او التحول الى رماد، ولو عاش من تخيلوا الجحيم امثال دانتي ايامنا لكان ما كتبوه عنه اضعافا مضاعفة؛ لأن الواقع تخطى الخيال ولهذا فنحن عاجزون عن اللحاق بما يحدث تماما، كما اننا لا نستطيع ان نشاهد عدة قنوات تلفزيونية في اللحظة ذاتها. موت من الجهات الستّ وليس من الاربع فقط، فالسماء ايضا تمطر نارا والارض تتصدع وتتقيّأ احشاءها تحت الاقدام، فأية يد شيطانية فتحت صندوق باندورا كي تندلع كل هذه الشرور بتزامن عجيب.

    إن المُخيّر بين ان يموت ذبحا او حرقا او جوعا او بالرصاص حتى لو كان عن طريق الخطأ عليه ان يسأل نفسه لماذا اغمض عينيه طيلة عمره عن الاسباب التي تراكمت وتفاقمت كي تؤدي الى هذا الجحيم، فما من احد منا بوسعه ان يبرىء ذاته من اعباء هذا المصير!





    [29-04-2015 09:40 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع