الرئيسية مقالات واراء
بدأ العمل بقانون خدمة العلم في الأردن سنة 1976، واستمر سريانه حتى العام 1992، عندما أوقفت الحكومة؛ حكومة الشريف الأمير زيد بن شاكر الثانية العمل بالقانون.
ومن المفارقات اللافتة في هذا الشأن أن توجه الحكومة حينها لإلغاء خدمة العلم، جاء متوافقا مع رغبة نيابية واسعة، عبرت عنها مداخلات النواب في جلسات الثقة بحكومة "أبو شاكر".
اليوم وبعد نحو23 عاما يبدو موقف النواب مختلفا عما كان عليه في المجلس الحادي عشر؛ فالأغلبية النيابية تميل حاليا إلى العودة لتطبيق خدمة العلم.
دافعان أساسيان يقفان خلف هذه الدعوة التي تلقى تأييدا واسعا في أوساط الرأي العام وبعض النخب السياسية. الدافع الأول: الحد من البطالة في صفوف الشباب. والثاني: إعادة الاعتبار لقيم الولاء الوطني في مواجهة نمو الهويات الفرعية، وتعزيز روح العمل والبناء، التي تغرسها المؤسسة العسكرية بمنتسبيها.
لكن على أهمية الدافعين أعلاه، إلا أنهما لم يكونا واردين في الذهن عند إقرار قانون خدمة العلم قبل 39 عاما لسبب بسيط وهو أن الأردن لم يكن يعاني من مشكلة البطالة كما اليوم، ولا من إشكالية الولاء الوطني، والتي كانت بأوجها في سبعينيات القرن الماضي.
على العكس تماما من ذلك؛ فالسبب الذي دفع بالدولة إلى تبني قانون خدمة العلم آنذاك هو نقص الطاقات البشرية في الجيش، كما يشرح ذلك البيان الذي تقدم به رئيس الوزراء إلى مجلس النواب في آذار من عام 1992 للتمهيد لقرار وقف العمل بقانون خدمة العلم، والذي اتخذ فعليا بعد أسبوعين.
يقول بيان الحكومة: "إن القوات المسلحة لم تكن تجد صعوبة في تغطية احتياجاتها وتوفير مستلزماتها من الطاقة البشرية اللازمة حتى منتصف السبعينيات، عندما وجدت نفسها لاتستطيع سد تلك الاحتياجات بسبب ازدياد ثروة النفط، واجتذاب دول "الخليج" للقوى البشرية الأردنية بأجور عالية، ففقدت القوات المسلحة عصبها الرئيسي، وهو العنصر البشري اللازم لها مما اضطرها إلى تنفيذ قانون خدمة العلم في عام 76 لتوفير هذه القوى البشرية الضرورية. وقد أدى هذا القانون دوره المأمول بالمساهمة في رفد القوات المسلحة بالطاقة البشرية التي كانت بحاجة لها خلال السنوات الماضية".
وكشف البيان الحكومي عن ثلاثة متغيرات دفعت بمراجعة قانون خدمة العلم، وهي: ميل الشباب إلى الانضمام للخدمة الدائمة في القوات المسلحة مع ارتفاع معدلات البطالة بداية عقد التسعينيات، وتراجع فرص العمل في السوق الخليجي إثر حرب الخليج الأولى، وتوتر العلاقات الأردنية مع معظم دول الخليج. والمتغير الثاني: حاجة القوات المسلحة لعناصر محترفة، وهذا لايتوفر في من يمضي مدة عامين في الخدمة العسكرية. والثالث: تعزيز دور الجيش الشعبي كبديل عن خدمة العلم.
لم يكن هذا التقييم قد صدر عن رئيس وزراء فحسب، إنما عن رجل عسكري محترف، تولى من قبل أرفع المناصب في القوات المسلحة الأردنية، وكان قائدا عاما للجيش عندما تم تطبيق قانون خدمة العلم.
يجدر بنا التوقف عند هذه المعطيات، ونحن في خضم الجدل حول العودة لقانون خدمة العلم. الموجبات المطروحة اليوم لتفعيل القانون من جديد وجيهة ومعتبرة، لجهة المجتمع والشباب والحاجة الماسة لتعزيز قدرة هذه الأجيال على تحمل المسؤولية، وبث روح الولاء الوطني في قلوبهم وعقولهم. لكن قبل ذلك ينبغي التفكير بمصلحة المؤسسة العسكرية، وعما إذا كان تفعيل القانون يخدم دورها أم لا.