الرئيسية مقالات واراء
في الوقت الذي لا نجد في استطلاع الرأي الأخير، الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية (بمناسبة مرور عامين على حكومة د. عبدالله النسور الثانية)، تغيرات تذكر في رؤية الأردنيين للحكومة ولأولوياتهم الداخلية، ذات البعد الاقتصادي، فإنّ هناك تحولات نوعية ومهمة في القضايا الأمنية والإقليمية المحيطة.
الملحوظة الأولى التي يمكن أن نسجّلها، تتمثّل في تكرّس القناعة الشعبية بخطورة تنظيم "داعش" على الأمن الوطني الأردني، و"شرعنة" المشاركة الأردنية الجوية في هذه الحرب. وهو أمر يعزى بالدرجة الأولى، في ظنّي، إلى جريمة التنظيم بحق الشهيد معاذ الكساسبة.
كانت الأرقام تشير في آخر استطلاعين، في العام 2014، إلى نسبة محدودة لا تعتبر التنظيم "منظّمة إرهابية" تصل في شهر آب (أغسطس) إلى 10 %، وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) إلى 5 %، بينما أصبحت في شهر شباط (فبراير) 2015 -بعد استشهاد معاذ مباشرة- 2 % فقط، ثم عادت لترتفع لاحقاً في نيسان (أبريل) إلى 5 %، وإن كان ارتفاعاً غير مؤثّر.
لكن الأرقام الأكثر أهمية، وكانت تمثّل بالفعل خطورة في مرحلة سابقة، تتعلق بمن كان جوابهم على سؤال:" فيما إذا كانت داعش منظمة إرهابية أم لا؟"، بـ"لا أعلم"، وهي النسبة التي نصفها بـ"الرمادية". إذ تراجعت هذه النسبة بصورة كبيرة ومؤثرة جداً بعد استشهاد معاذ. فقد كانت 28 % في آب (أغسطس) 2014، ثم 24 % في كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، لتتراجع إلى 3 % في نيسان (أبريل) وشباط (فبراير) 2015.
"المنطقة الرمادية" تشير إلى من هم ليسوا حاسمين في خياراتهم ومواقفهم من تنظيم "داعش"، والمساحة التي كانت تحتلها في العام 2014 كبيرة ومقلقة. لكنّها عملياً تلاشت لتصل إلى نسبة محدودة جداً، بما يعكس تحولاً مهماً وكبيراً في المزاج الشعبي، يساعد الدولة بالتالي على تجنيد الرأي العام الأردني وراء سياساتها الخارجية.
في المقابل، كرّس الاستطلاع الأخير التحول المهم الآخر في الموقف الشعبي من إيران وحزب الله اللبناني. إذ أفادت نسبة
71 % من العينة الوطنية بأنّ سياسات إيران تمثّل تهديداً للاستقرار في المنطقة، وتأتي مباشرةً بعد إسرائيل (78 %). والمفارقة أنّها -أي إيران- أصبحت تتجاوز الولايات المتحدة (فقط 64 %)، بينما تأتي تركيا في ذيل القائمة بنسبة 22 %. أمّا النظام السوري، فنال هنا نسبة 54 %، والمعارضة السورية نسبة 41 %!
حزب الله هو عنوان التحول الأكبر في موقف الرأي العام الأردني. إذ وصلت نسبة من تصنّفه بأنّه منظّمة إرهابية إلى
66 %، أي أغلبية مطلقة، فيما كانت في الاستطلاع الماضي (شباط (فبراير) 2015) قد تعدت النصف إلى 55 %.
ويبرز هذا التحوّل بصورة سافرة عند مقارنة هذه النسبة
(66 %) بـ3 % فقط كانت تعتبر الحزب إرهابياً قبل قرابة عشرة أعوام (2004)، فيما كان من يعتبرونه منظمة مشروعة حينها يصلون إلى 84 %؛ فتصوّروا حجم التحول الجذري الكبير في صورة هذا الحزب وزعيمه وإيران في منظور الرأي العام الأردني!
على الأغلب، أنّ السبب المباشر الذي يقف وراء ذلك هو مشاركة الحزب في الحرب السورية الداخلية، وتبدد صورة المقاومة والممانعة، ليحل محلها المشهد الطائفي والتبعية لإيران!
ويمكن ملاحظة بداية التحول في الموقف من الحزب عبر الرسم البياني للاستطلاع مع العام 2012. لكن هذا الموقف الشعبي الجديد أخذ مداه بصورة واضحة مع العام الحالي 2015؛ إذ تكرّست الصورة الجديدة بديلاً من الصورة السابقة.
هل ذلك يعكس تحولاً في المزاج السياسي، أم طغياناً للنزعة الطائفية؟ نأمل أن يكون الأول. لكن لم يعد الفصل في العالم العربي سهلاً بين الاثنين؛ أي الاستراتيجي والطائفي، وهذا بحدّ ذاته مصدر كبير للقلق!