الرئيسية مقالات واراء
صورة مجلس النواب في نظر الأردنيين سلبية، ولا يعلق في الأذهان سوى مشاهد "الطوشات" تحت القبة، والمماحكات الشخصية حول مسائل ثانوية، وأخبار فقدان النصاب في الجلسات المهمة.
على هذا النحو تشكلت الصورة، وتكرس معها الشعور بأن النواب عبء على الدولة. ومن هنا، تلقى دعوات حل المجلس قبولا واسعا.
نتائج استطلاعات الرأي عكست هذه الانطباعات بصورة قوية؛ إذ أظهرت على الدوام تدني مستوى الثقة الشعبية بالمجلس. وكان لافتا بحق أن ثقة المواطنين بالحكومة تفوق ثقتهم بالمجلس الذي انتخبوه.
في مؤتمره الصحفي أول من أمس، حاول رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة، أن يعرض الوجه الآخر للمجلس. وأحسب أنه كان موفقا في عرضه.
لجأ الطراونة إلى لغة البيانات الدقيقة لعرض إنجازات المجلس، بعيدا عن التعميم في الأحكام الصادرة بحق النواب. قدم إحصاءات لعدد التشريعات التي أنجزها المجلس، وهي كبيرة نسبيا؛ والأسئلة والاستجوابات التي تقدم بها النواب، إضافة إلى الاقتراحات وطلبات المناقشة.
الطراونة لفت النظر إلى أن 95 % من الجلسات كانت "محكمة" وكاملة النصاب، بخلاف الانطباع السائد إعلاميا وشعبيا. وبالمناسبة، فقدان النصاب ليست مشكلة المجلس الحالي، بل هي إشكالية مزمنة تعاني منها الحياة النيابية في الأردن.
المجلس الحادي عشر (مجلس 1989) الذي يعد من أفضل المجالس في نظر الأردنيين، واجه هذه المشكلة. ويكشف أرشيفه عن محاولات عديدة بذلتها رئاسة المجلس للتغلب على هذه المعضلة. وقد طرحت اقتراحات شبيهة بما هو مطروح اليوم؛ مثل فرض عقوبات على النواب المتغيبين.
النواب، وفي غضون ستة أشهر، عقدوا 61 جلسة، وأنجزوا 53 تشريعا، ووجهوا 546 سؤالا، أجابت الحكومة عن 445 منها؛ وفق ما أعلن الطراونة في المؤتمر الصحفي.
هذه الحقائق لا تحضر في ذهن المواطنين عندما يتناولون مجلس النواب في أحاديثهم، وعادة ما يكتفون برؤية الجانب المظلم للنواب، فتأتي الأحكام قاسية وسلبية. نحن في وسائل الإعلام نفعل الشيء ذاته في معظم الأحيان.
ليس مطلوبا من أي جهة التغاضي عن السلبيات، أو تجميل صورة النواب على غير حقيقتها، والتستر على السلوكيات الخاطئة لبعض النواب. لكن التقييم يتطلب مقاربة الصورة من كل الزوايا، للوصول إلى استنتاجات موضوعية.
هذا ما حاول رئيس المجلس الوصول إليه في المؤتمر الصحفي، من خلال عرض الوجه الآخر للمجلس والنواب. هل يريد من ذلك الدفاع عن رئاسته؟ ربما. هل سعى إلى تحسين صورة النواب عند الأردنيين؟ أكيد.
من الطبيعي أن يقوم رئيس مجلس النواب بهذا الدور. المهم أنه لم يتحايل على الحقائق، وإنما اعتمد منهجية البيانات التي لا يمكن التلاعب فيها.
من الأسباب التي ساهمت في تهشيم صورة المجلس الحالي، الممارسات الفردية لبعض نوابه، وهي التي غطّت على إنجازاته الجماعية. رئيس المجلس بذل جهدا كبيرا ليقنع الرأي العام بأن الألوان الشاذة في اللوحة النيابية، ليست هي كل اللوحة.
هل يقنع هذا الدفاع الأردنيين، ويجعلهم أكثر إنصافا تجاه النواب؟
الأمر مشكوك فيه؛ فالرأي العام غالبا ما يميل إلى السلبية.