الرئيسية مقالات واراء
النتائج التي عرضها الدكتور موسى شتيوي، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، يوم أول من أمس الخميس، والمتعلقة بمسح للرأي العام الأردني (ضمن حزمة مسوحات شملت 7 دول عربية) بعنوان "التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد الربيع العربي"، قدمت صورة مهمة للشخصية الأردنية.
شتيوي عرض نتائج الحالة الأردنية، ووضعنا أمام أرقام تحتاج إلى قراءة وتفسير وتحليل، ودراسات متعددة. وبالضرورة لا يمكن مناقشة هذه "الصورة" المهمة عن الأردنيين في هذا المقال، وقد يحتاج الأمر إلى دراسات، بخاصة ما يتعلق بالجندر والقيم الدينية والعلاقة مع الآخر. لكن أود وضع القارئ أمام بعض المؤشرات، التي أثارت اهتمامي، بصورتها الصمّاء الرقمية. وربما نعود لاحقاً لمناقشة أكثر عمقاً لبعض هذه المعطيات.
عند سؤال العينة (شملت 2000 أردني) عن مدى الثقة بالناس الآخرين، أجاب 77 % سلباً. وفيما إذا كان المستجيب فكّر بالعيش في الخارج إلى مدى بعيد أو محدود، أجاب 34 % بنعم، منهم 18 % بهجرة دائمة. أي إنّ أكثر من ثلث الشعب يفكر في الخروج، لأسباب اقتصادية غالباً (84 %).
واعتبر 83 % أن اللاجئين خطر على الأمن، و77 % يرون العمالة الوافدة خطراً أمنياً أيضاً. فيما يشعر 95 % بالأمن في النهار، و90 % في الليل، أي لا يرون هناك مشكلة أمنية خطيرة مباشرة على أسلوب حياتهم.
أكثر ما يقلق الأردنيين هو التعليم (52 %)، ثم هاجس فقدان العمل والبطالة (40 %). هذا ما يمكن أن نلمسه عبر القضايا الراهنة؛ لكن الطريف-المقلق في الاستطلاع، أنّ هناك 36 % من الأردنيين يخشون من حرب أهلية داخلية، و32 % من عنف طائفي أو عرقي، و39 % من عمل إرهابي، و34 % من سرقة سياراتهم، و32 % من سرقة منازلهم، و24 % من الإناث يخشين التحرش الجنسي!
مفهوم الديمقراطية عند الأردنيين ملتبس وغير واضح، برأيي، ويتغلّب عليه الهمّ الاقتصادي أيضاً. إذ أفاد 20 % أن الديمقراطية تعني القضاء على الفساد، و16 % أنّها تغيير الحكومة، و16 % توفير الحاجات الأساسية، و15 % تقليل الفجوة الطبقية.
في المقابل، 77 % يرون أن الديمقراطية نظام أفضل للحكم في الأردن، و85 % مقتنعون بإصلاح تدريجي. لكن المفارقة تبدو عندما يُسألون عن أنواع الأنظمة الديمقراطية، إذ نجد أنّ 55 % يرون إقامة نظام إسلامي بلا انتخابات ولا أحزاب أمراً ملائماً بدرجات متعددة، فيما يعارض ذلك فقط 44 %، بينما ترى الأغلبية (76 %) بأنّ النظام البرلماني هو الأفضل، فيما يرى 64 % بأنّ النظام الدكتاتوري غير ملائم.
ثقة الأردنيين بالدرجة الأولى بالجيش (81 %) وبالأمن (73 %). لكن -وهذه قصة كبيرة- نصفهم تقريباً لا يثقون بالقضاء (48 %). أما البرلمان فـ22 % فقط يثقون به (وهو المؤسسة المنتخبة!)، والأحزاب فقط 17 %. ويرى 84 % منهم أن الفساد موجود في الدولة ومؤسساتها!
القصة الأخرى المهمة في الاستطلاع تتمثل في النظر إلى "الربيع العربي" والتطورات الأخيرة. وربما من الظلم ربط كل ما يحدث اليوم بالثورات، بل الأصحّ بالثورات المضادة والقمع الدموي والأجندات الإقليمية. لكن المهم في الأرقام التي نقرأها هو مستوى هيمنة نظرية المؤامرة على الأردنيين! إذ نجد تعريف "الربيع العربي" لديهم بوصفه مؤامرة من الخارج بنسبة 56 %، وبوصفه ثورة شعب ضد الظلم فقط 37 %. وترى أكبر نسبة من العينة (37 %) أنّ الفاعلين المؤثرين في "الربيع العربي" هم خارجيون!
ثمة قبول عام نسبي للحالة الأمنية والسياسية في البلاد، وتشاؤم من الوضع الاقتصادي، ونزوع سلبي نحو القضاء، وقلق كبير بخصوص التعليم، وعدم رضا عن مكافحة الفساد، وميل واضح لنظرية المؤامرة في الثقافة الأردنية، وتشويش حول دور الدين في المجال العام لدى نسبة معتبرة.