الرئيسية مقالات واراء
الإستقلال والإستقرار
إستقلال بلَدُ ما يعني انه استكمل سيادَتَه وانفرد بإدارة شئونه الداخليّة والخارجيّة ، ولا يخضع في ذلك لرقابة دولة أخرى وللإستقلال اشكال عديدة فهناك الإستقلال الذاتي والسياسي والمالي والإقتصادي وغير ذلك .
يعتبر استقلال الدولة واحدًا من الشروط الضرورية للاعتراف بشرعيتها، بل هو شرط في تعريف الدولة، حيث تعتبر الدولة مجموعة كبيرة من الناس تقطن بشكل دائم ارضا محددة ، وتتمتع بالشخصية المعنوية والنظام والاستقلال.
كما إن قدرة الدولة على اتخاذ قرارها السياسي داخليًا وخارجيًا وفق إرادتها الحرة، يعبّر عنه حينًا بالإستقلال, وأحيانًا بالسيادة, أو بمعنى آخر عدم خضوع الدولة لأي سلطة خارجية.
كما يظهر الواقع الدولي وواقع العلاقات الدولية على حد سواء، أن الدول ليست متساوية في فرض إرادتها السياسية أو في التمتع بسيادتها داخليًا وخارجيًا.
ويمكن في هذا السياق الحديث عن ثلاثة أشكال من الدول:
اولها دول تتمتع باستقلال شبه كامل: وهي الدول الكبرى المنتصرة في الحربين العالميتين الأولى والثانية، والدول الصناعية ذات الموارد الغنية, والقدرات النووية. ومنها الدول دائمة العضويّة في مجلس الامن.
وثانيها دول لا تتمتع باستقلالها بشكل تام: وهي الدول الواقعة تحت سيطرة الاحتلال أو الغزو أو القواعد العسكرية , كما هو الحال في فلسطين.
واخيرا دول تتمتع باستقلالها بشكل نسبي: كالدول النامية أو دول العالم الثالث, وإن كانت قد حققت استقلالها عن الاستعمار الغربي في القرن الماضي فإنها خضعت لقوانين النظام الدولي القائم, والذي تشكلت قواعده في القرن الماضي.كما أن الحكومات التي تولت مقاليد الحكم في معظم هذه الدول كانت تعمل بما يتناسب مع توجهات الدول الكبرى, كذلك تم تحجيم هذه الاستقلالات بمجموعة من العهود والمواثيق الدولية التي خرجت من رحم الدول الكبرى وهيئاتِها العالمية والتي وجدت أساسًا لتأمين مصالحها وبما يحفظ استمرار هيمنتها العالمية وسيطرتها.
وبالنظر إلى طبيعة النظام الدولي المعاصر ومكوناته والمتفاعلين فيه والمصالح الإستراتيجية التي تحركه, وقيام الأحلاف والاتحادات الدولية, الاقتصادية أو السياسية, وشركات الصناعة العسكرية, والمنظمات الدولية، وفي عصر العولمة والشركات العابرة للحدود والسيادة, والتكنولوجيا الرقمية, وثورة الإعلام و الإتصالات، أصبح من الصعب الحديث عن وجود دولة مستقلة استقلالًا تامًا، قادرة على ممارسة قرارها السياسي بمعزل عن المؤثرات المحيطة بها.
كذلك لا وجود لدولة قادرة على الانكفاء خلف حدودها الجغرافية والإكتفاء بثرواتها والانفراد بقرارها السياسي والتصلب في مواقفها الإيديولوجية, فقد أصبح العالم قائمًا على المصالح المتبادلة, حتى ان مفهوم السيادة أصبح موضوع جدل ونقاش على المستوى الدولي. والتي تقوم على مفهوم جديد للسيادة ويعني انه من حق المجتمع الدولي التدخل في سلطات إحدى الدول عندما تقوم السلطة الحاكمة فيها بقمع وإبادة شعوبها .
وهكذا وهنت الحدود الجغرافية والسياسية أمام انتشار الشركات العابرة للقارات ومصالحها, وأصبحت حدود السيادة الوطنية لمعظم الدول وجهة نظر قابلة للمناقشة أمام فكرة تدخل القوى الكبرى، بحجة التدخل الإنساني, أو حماية الأقليات , ومحاربة الحكام الطغاة, أو دعم الثورات ومحاربة الإرهاب وصولًا إلى فرض أنظمة حكم جديدة تحت تسميات شتى تضمن في النهاية الهيمنة الاقتصادية والسياسية للدول الكبرى على غيرها .
كما يمكن الحديث عن تأثير ثورة الشبكة العنكبوتية و وسائل الإعلام في عبور الحدود الجغرافية بين الدول وإتاحة تدفق السلع والبضائع والأفكار، من دون قدرة على التحكم فيها أو توجيهها، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تغيرات جوهرية على المدى الطويل في كيان الدولة والمجتمع، وبالتالي التأثير سلبًا على استقلالها سياسيًا واقتصاديًا ولغويًا واجتماعيًا وثقافيا وتعليميًا.
وفي ظل الجو العالمي الملتهب باتت الدول تبحث عن استمرار حالة الإستقرار لنظامها وشعبها وكسب مودّة الدول الكبرى والهيئات الدوليّة والمانحة كي تستطيع ان تقوم بتأمين التزاماتها اي ان الإستقرار قد يبدو اهم من الإستقلال في هذا الزمان .
والأردن الوطن الأعز وهو يحتفل بمرور تسعة وستون عاما على نيله الإستقلال عن المستعمر الأجنبي ويستقبل في نفس الفترة شخصيات وقادة من العالم يجتمعون في اخفض بقعة في العالم في النسخة الثامنة عشرة من المنتدى الإقتصادي العالمي تحت شعار البحث عن إطار إقليمي للإزدهار والسلام والتعاون بين القطاعين العام والخاص.
وخلال جلسة الأردن نحو إنطلاقة جديدة للطاقة المتجدِّدة ركز الأردن على التنمية والتميّز والإستثمار ويتوقّع ان يتم اطلاق فرص استثمارية بقيمة 18 مليار دولار مع انتهاء اعمال المنتدى في مختلف القطاعات وخاصّة مواضيع الطاقة المتجدِّدة وبشراكة بين القطاعين العام والخاص وقد تم التوقيع على مشاريع بقيمة سبعة مليارات دولار في اليوم الأول للمنتدى بشراكة بين القطاع العام والخاص ودعم من الحكومة الأردنية .
وما انعقاد مثل تلك الفعاليات الدولية على الأرض الأردنيّة سوى دليل على ما يتمتّع به الأردن من إستقرار سياسي وإقتصادي وأمني ويأمل الأردنيّون ان يلمسوا اثر تلك المشاريع الكبرى على حياتهم وحياة ابنائهم خلال فترات ليست بالبعيدة بنفس الوقت الذي تعمل به الحكومة على مواجهة التحديات العديدة التي يواجهها البلد نتيجة الوضع الإقليمي الملتهب حاليا .
حمى الله الأردن ارضا وشعبا وقيادة وادام استقلاله واستقراره على الدوام . احمد محمود سعيد 23/5/2015