الرئيسية مقالات واراء
بالرغم من أنّني لا أرغب في استخدام مصطلح "الوحدة الوطنية"، لكثرة ما يستخدم ويوظّف في إطار الدعاية السياسية والإعلامية، حتى أصبح جزءاً أساسياً للديباجات الرسمية؛ إلاّ أنه المصطلح المتاح حالياً لمناقشة بعض الحوادث الأخيرة!
تتمثّل هذه الحوادث بما نسب لجزء من جمهور الفيصلي من هتافات عنصرية غير مقبولة، وما حدث مع قاضي القضاة الدكتور أحمد هليل، ووزير الأوقاف هايل داود، في القدس، وصولاً إلى ما صاحب التصويت على رئاسة "الفيفا"، وموقف رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب، الذي عاد ليؤكّد مؤخراً بأنّه صوّت للأمير علي، بعدما أصبح هذا الموضوع حديث مواقع التواصل الاجتماعي المحلية.
بيت القصيد أنّ هذه الأحداث تنعكس مباشرةً -عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض التعليقات والسجالات الداخلية، وفي الصالونات المغلقة- على المعادلة الداخلية والعلاقات بين المكون الشرق أردني والفلسطيني من المواطنين.
تبدأ، بعد ذلك، عملية الاستثمار من قبل التيارات اليمينية والأصوات المأزومة وراكبي الموجات العنصرية، من هنا وهناك، والتي تحاول تعميم سلوكيات أو مواقف معينة على المعادلة الداخلية بأسرها، لإشعال المناخ الحالي بمشاعر متوترة وأفكار مسمومة.
المفارقة أنّنا نتعامل مع هذه المشكلة، التي لها حيثياتها الاجتماعية والسياسية، بإنكار شديد، وبقدر كبير من المجاملات والنفاق في أحيان، والعنصرية في أحيانٍ أخرى، والتهرب من مواجهتها ووضع تصورات وسيناريوهات قانونية وسياسية؛ ما يجعلها تتدحرج وتكبر مع مرور الوقت، وتكون بمثابة "الثقب الأسود" الذي يتحدث عنه المراسلون والسياسيون الأجانب، فيما نفضّل نحن أن نتجاهله.
جوهر المشكلة يرتبط في الأصل بسياسات الدولة، أكثر مما يرتبط بمشاعر اجتماعية. فهناك فشلان في عملية الإدماج؛ الأول، في إدماج الأردنيين من أصول فلسطينية في المعادلة السياسية وفي مؤسسات الدولة، حتى ضمن نسبة متدرجة مريحة، وفي النظام السياسي، بما لا يصل إلى تأجيج هواجس التيار المحافظ عموماً. وهو أمر يحتاج إلى عملية إصلاح سياسي، تقوم على تعزيز المشاعر الوطنية وتوسيع قواعد التجميع، لا التفريق والتقسيم على أدنى كسر عشري.
هذا الشق من الفشل يرتبط بتداعيات القضية الفلسطينية وإشكاليات فك الارتباط والوحدة بين الضفتين، وبحق العودة والحل النهائي والعلاقة مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وكل ذلك صحيح، لكنه لا يجوز أن يكون شمّاعة لتبرير هذه الفجوة بين الدولة وشريحة اجتماعية واسعة من المواطنين، ممن يمتلكون رقماً وطنياً، مع احتفاظهم بحق العودة.
في المقابل، فشلت الدولة في إدماج أبناء المحافظات في الحياة الاقتصادية، وفي توفير شروط نمو القطاع الخاص في المحافظات؛ بل على النقيض من ذلك، ما تزال شريحة اجتماعية واسعة في أغلب هذه المناطق تعاني البطالة والفقر وعدم التكيف مع الظروف السياسية، والاعتماد على الدولة في التعيين والتوظيف، بما أرهق الموازنة والجهاز البيروقراطي بتعيينات خارج دائرة الشروط المهنية والكفاءة والقدرات.
في نهاية اليوم، نحن أمام فجوتين كبيرتين، سياسياً واقتصادياً؛ وحالة غير صحيّة بحاجة إلى إصلاح جوهري، حتى وإن اتخذ بعداً تدرجيّاً. لكن من المهم عدم ترك المعادلة الوطنية تحت رحمة هذه المشاعر المسكونة بـ"المظلوميات"؛ فهي المحفّز الرئيس للاحتقان والتطاول على القانون، والتنمّر على الدولة أو الإعراض عنها وتجاهلها.
الأخبار الجيّدة هي أنّنا وجدنا في حادثة الحرم القدسي وترشيح الأمير علي، وقبل ذلك في استشهاد الطيار معاذ الكساسبة، تياراً عريضا يمثّل نواة للجماعة الوطنية التي تخرج من دائرة حسبة الأصول والمنابت. وهي تمثّل شريحة من الجيل الجديد والطبقة الوسطى، ممن يبحثون عن هويتهم خارج هذه الأزمات، ويحملون حلم المستقبل. فهذا هو التيار الذي يحتاج إلى تعزيز وتجذير وتطوير ودعم.