الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    الحال من بعضه

    هذا الذي يحصل لبلاد الشام والعراق، غير مسبوق في التاريخ. إذ لم يسجل في تاريخ هذه المنطقة أن تعطلت خطوط التجارة والنقل في ما بينها، وأُغلقت حدودها في وجه أهلها، كما هي حالها اليوم.
    خطوط التجارة هي التي أسست للعلاقات بين الدول، والبضائع هي التي ربطت الشامي بالأردني، والعراقي باللبناني.
    كي تعبر شحنة تجارية من الأردن إلى سورية، عليها أن تدور في موانئ الدنيا قبل أن تصل إلى دمشق.
    هذا الصيف، لا بندورة أردنية في أسواق دمشق، ولا بطاطا لبنانية في بقالات عمان. في لبنان، لخصت صحيفة "السفير" البيروتية المأساة بعنوان معبّر: "المزارع مأزوم، والمستهلك بخير". فالمنتجات الزراعية مكدسة على العربات في الشوارع بـ"سعر الفجل"، بينما يغرق المزارع اللبناني بالديون.
    حال السوريين ليس بأحسن من جيرانهم. مختصون في قطاع التجارة يقدرون خسائر التجار السوريين بعد إغلاق معبر جابر/ نصيب بنحو نصف مليار دولار لغاية الآن. مئات السلع التي كانت السوق الأردنية تعتمد عليها، لا تجد طريقا للعبور.
    في الأردن، "الحال من بعضه" كما يقال. فقد تعطل أسطول من الشاحنات يزيد على 5 آلاف شاحنة، بعد إغلاق معبر جابر والمعبر الحدودي مع العراق. خسائر القطاع المقدرة، حسب نقيب أصحاب الشاحنات، 500 مليون دينار. العشرات من الشاحنات تم الحجز عليها من البنوك، بسبب تعثر أصحابها عن السداد.
    أسطول السيارات الصغيرة على طريق عمان- دمشق- بيروت، تعطل هو الآخر، والحكومة عالقة مع أصحابها لا تعرف كيف تساعدهم.
    سورية لم يعد لها سوى معبر بري واحد مع العالم؛ معبر لبنان. وإذا ما سقط في يد الجماعات المسلحة، ستصبح دولة معزولة بالكامل، حتى عن أقرب جيرانها.
    الأردن من الناحية العملية، معزول برياً عن سورية ولبنان والعراق، وليس من وجهة لصادراته غير ميناء العقبة، وفي الستر، ميناء حيفا الإسرائيلي.
    لا بوادر على قرب انفراج الأزمة على الحدود مع سورية أو العراق. معبر جابر تحت سيطرة مسلحي المعارضة، وإقامتهم على ما يبدو ستطول. الأمل أن تتمكن القوات العراقية من تطهير طريق بغداد مع الأردن من الإرهابيين، ليتسنى للشاحنات من الطرفين التنقل بحرية. لكن المعركة في الأنبار طويلة أيضا، ومرشحة لمفاجآت، على غرار ما حدث على الجانب السوري من الحدود.
    استمرار المعابر البرية مغلقة بين الدول الأربع، يعني أن تاريخا طويلا من العلاقات بين شعوب المنطقة مرشح للاندثار.
    هذا ليس بالأمر الهين، وتداعياته خطيرة وكبيرة على الأقطار الأربعة. الأردني الذي خبر التاجر الشامي وبضاعته، لم يعد يرى منه اليوم غير وجه اللاجئ المحطم والمشرد من أرضه. السياحة الرخيصة التي منحت المواطن الأردني خبرة بتفاصيل بيروت وشوارعها ومطاعمها، تكاد تتلاشى من الذاكرة.
    البحر صار أقرب للبنانيين من كل اليابسة المحيطة ببلادهم. معابر لا يزيد طولها عن عشرات الأمتار، فرقت بين ملايين البشر، وأغلقت في وجوههم أشكال التواصل.
    ساعة زمن كانت تكفي لوصول الأردني إلى قلب دمشق، ومثلها حتى بيروت. كم من الزمن سننتظر كي يفتح المعبر؟





    [01-06-2015 11:32 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع