الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    كلمة السر: "حقوق مكتسبة"!

    على غرار ما حدث من تنمّر على الدولة وتطاول على القانون والحق العام، خلال الأعوام الماضية، في مجالات متعددة، فإنّ وزارة الزراعة أحصت قرابة 12 ألف اعتداء على الأراضي الحرجية غير المزروعة؛ عبر الاستملاك ووضع اليد وإقامة المنشآت عليها، كما كشفت وثائق نشرتها "الغد" الشهر الماضي.
    3 آلاف اعتداء خلال الأعوام الخمسة الأخيرة فقط؛ منذ العام 2010. وهي حالة ناجمة عن تراخي الدولة ومؤسساتها في تطبيق القوانين وفرضه على الجميع؛ كما حصل في الفترة نفسها بشأن امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي"، وبشأن المياه الجوفية وسرقة المياه، حتى رأينا شجاعة من وزيري التربية والتعليم د. محمد الذنبيات، والمياه والري د. حازم الناصر، في مواجهة تلك الانحرافات الكبيرة، والاشتباك مع المافيات التي تقف وراءها.
    الأمر نفسه يظهر في وزارة الزراعة اليوم، كما يبدو من تصريحات سابقة للوزير د. عاكف الزعبي، الذي يجد أمامه ملفين مرعبين ومقلقين. الأول، متعلق بتلك الانتهاكات والتجاوزات الكبيرة. والثاني، خاص بالمافيات التي تشكلت في الوزارة، عبر استثمار البعض وظائفهم ومهماتهم بصورة غير مشروعة.
    المهمة ليست سهلة، بل هي صعبة ومعقدة؛ فهناك اليوم تراكمات ومصالح عقدت على وقع هذه الانتهاكات للأراضي الحرجية. والدخول في معركة مع جميع المخالفين مرّة واحدة، أشبه بفتح جبهات داخلية بين الأمن والشرطة من جهة والمعتدين المتمسكين بتلك الأراضي على قاعدة باطلة اسمها "الحقوق المكتسبة"، من جهة أخرى.
    المعضلة الحقيقية التي تواجه تطبيق القانون في هذه الحالات، تتمثّل في التشريعات والقضاء. فعقوبة الاعتداء على الأراضي الحرجية في قانون العقوبات لا تتجاوز غرامة سخيفة يدفعها المعتدي، بينما يُلزم قانون الزراعة الحاكم الإداري بإزالة الاعتداء فوراً على تلك الأراضي. وتبدو المفارقة أنّ أغلب القضاة يطبقون قانون العقوبات بدلاً من قانون الزراعة، ما يعني "شرعنة" غير مباشرة لتلك الانتهاكات.
    مثلما نتحدث عن تطبيق القانون وهيبة الدولة ورفض منطق الاستقواء والتنمّر على النظام العام والمال العام ومؤسسات الدولة في المجالات المختلفة، فإن الأمر نفسه مطلوب عند الحديث عن هذا الملف المهم والكبير. والمطلوب أن تقف مؤسسات الدولة وراء تطبيق القانون مع الوزير الحالي، كي نجد ترجمة حقيقية لذلك في الأراضي، كما كانت الحال في التربية والتعليم والمياه سابقاً. وهي معركة ليست مهمة ووطنية وضرورية فحسب، بل هي بمثابة خطوة أساسية وشرط جوهري لإنقاذ المجتمع والدولة من انتشار قيم وثقافة الخروج على القانون، عبر استشعار المواطنين بأنّ هناك استرخاء من قبل الدولة ومؤسساتها، بل محاباة وتغاضيا عن انتهاك القانون والنظام العام والتنمّر عليهما!
    والسياسات نفسها؛ أي استعادة القانون، من المفترض أن تطبق بصرامة وقوة في موضوع سرقة الكهرباء، وهي الظاهرة التي ما تزال الدولة تتغاضى عنها في مناطق معينة ومعروفة للجميع. بل هناك محاولة لتشريع هذه الظاهرة عبر إعطائها مصطلحات غير صحية، كما يعرف المراقبون، مثل خط كذا وكذا، وما هي إلاّ سرقة علنية في وضح النهار، على سمع وبصر الدولة والجميع.
    من الطريف أنّ هناك مسؤولين مرعوبين، وسياسيين انتهازيين، ووجهاء متواطئين، أصبحوا يعطون هذه الانتهاكات عنواناً شرعياً في كل مجال، هو "الحقوق المكتسبة"! وهذا المصطلح ما هو إلاّ "اسم حركي" لانتهاك القانون وضرب قيمتي العدالة والمواطنة في جذورهما! فربط الجامعات بالجهوية في التعيين والمواقع العليا حقوق مكتسبة! والصوت الواحد، والبسطات غير القانونية، وسرقة الكهرباء والأراضي والمياه والكوتات الجامعية، كل هذه التجاوزات والاختلالات تمرّ عبر كلمة السرّ: حقوق مكتسبة!
    ***
    تنويه: ورد في مقالي أمس "محافظة وادي موسى". والصحيح، كما هو معروف، أنّ وادي موسى لواء.





    [04-06-2015 06:58 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع