الرئيسية مقالات واراء
على خلاف أغلب المسؤولين وكثير من الوزراء، اعترف وزير التربية والتعليم د. محمد ذنيبات، بفتح مغلفات الأسئلة من قبل بعض المدارس قبل موعد الامتحان الذي أعدّته وزارة التربية والتعليم، لطلبة الصفين التاسع والسادس، في ثلاثة مباحث رئيسة، لقياس مستوى تحصيل الطلبة، وربما كمعيار أكبر لمسار التعليم العام في البلاد، وهو الامتحان الذي شمل قرابة 6 آلاف مدرسة حكومية وخاصة.
الوزير أشار، في نقاشه معي، إلى ملحوظة مهمة، وهي أنّ المسؤولية كانت منوطة بالمدرسة نفسها وبالمعلمين والإدارة، فلم ترسل الوزارة أي مراقبين أو مشرفين، فضلاً عن أنّ الإجراءات كذلك المرتبطة بالتعامل مع إجابات الامتحان، عُهد بها إلى المدارس. فالوزارة لم تقم سوى بتقديم أسئلة موحدة لهذه المناهج، لتترك للمدارس التعامل معها في تقييم مستوى طلبتها، علماً أنّ الهدف من الامتحان تجريبي واستكشافي، لقياس جوانب القصور والخلل في العملية التعليمية، وليس شبيهاً بامتحان الثانوية العامة "التوجيهي".
والهدف، وفقاً للوزير، أبعد من قياس مستوى الطلبة في بعض المواد، إلى قياس مستوى إدارات المدارس والمعلّمين وكفاءتهم، ومدى تحملهم للمسؤولية القانونية والأخلاقية والتربوية في القيام بعملهم وحفاظهم على الأمانة.
في تقرير "الغد" أمس عن الموضوع نفسه؛ أحال معلمون تحميل الوزارة مسؤولية القيام بإجراءات الامتحان للمدارس إلى ضعف موازنة التربية والتعليم، وتكاليف إدارة مثل هذا الامتحان. وهو الأمر الذي نفاه لي الوزير، إذ أكّد أنّ الامتحان بمثابة "دراسة حالة" للإدارات والمعلمين والطلبة، ولقيم تربوية وتعليمية. فهو امتحان قيم وثقافة سلوكية، قبل أن يكون فرصة للمدارس والمعلمين والوزارة لاختبار مستوى الطلبة التعليمي والعلمي.
للأسف، المعلومات التي وصلت إلى الوزارة تؤكد أنّه في الوقت الذي التزمت فيه بعض المدارس بالإجراءات المطلوبة وبنزاهة الامتحان، وبتقييم مستوى طلبتها؛ فإنّ مدارس أخرى لم تكن على مستوى المسؤولية، ففُتحت مغلفات الأسئلة قبل موعد الامتحان. وفي بعض المدارس، تمت كتابة الإجابات على الألواح التعليمية أمام الطلبة. وهو ما يعطي مؤشرات مهمة على نواحٍ من الخلل والمشكلة، طاولت المدارس الخاصة والحكومية على السواء. وهذه الاختلالات يمكن تعريفها بما هو أخطر من الأزمة التعليمية، وهي أزمة الأخلاق والقيم، والمسؤولية التربوية والأدبية!
كنت في مقال سابق قد أشرت إلى تجربة مشاهدتي في مدارس المشرق الدولية لامتحان الـIB. وقلت إنّ أكثر ما أعجبني وأدهشني في هذا الامتحان الدولي المعتمد على مستوى عالمي، أنّ الاسئلة تكون في حوزة المدرسة منذ أشهر طويلة (وليس قبل يوم أو يومين فقط)، في خزانة مغلقة، وأنّها لا تفتح إلاّ وقت الامتحان، في التزام ببروتوكول وقيم معينة في التعامل مع إجراءاته. لكن العملية من ألفها إلى يائها تتم في حرم المدرسة، وبإشراف المعلمين أنفسهم، بينما يكون التصحيح دولياً في الخارج.
فلا يوجد درك ولا شرطة، ولا رقابة خارجية مشددة، بل هي رقابة داخلية وذاتية، وامتحانات تمر بهدوء وبمستوى مريح من التعامل في داخل الغرفة الصفية نفسها، ولا نجد أي تشكيك في نزاهة هذه الامتحانات، ولا في الأجواء التي جرت فيها، كما ليس هناك حديث عن تسريب أسئلة، ولا أهالي يبدأون حالة طوارئ وقلق قبل مواعيد الامتحان بفترة طويلة، ولا شيء معقدا. ومع ذلك، فهذا الامتحان معترف به دولياً، وعلى مستوى عالٍ من الأهمية والمستوى المعرفي.
أليس هؤلاء طلبتنا وأولئك طلبتنا أيضاً؟ وهذه وتلك مدارس موجودة في الأردن؟ والمعلمون من الطينة الاجتماعية والأخلاقية نفسها؟ فلماذا نرى أزمة أخلاقية سافرة هنا، وأنموذجا ثقافيا أخلاقيا متقدما هناك؟! سؤال برسم الإجابة من المتخصصين.