الرئيسية مقالات واراء
تزعم دول المنطقة كلها بأنها في الخندق المعادي لتنظيم داعش الأرهابي، وتخوض حربا شرسة ضده؛ سواء في العراق أو سورية. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن النظام السياسي في البلدين المذكورين، يخوض هو الآخر الحرب ضد "داعش"، فإن النتيجة المنطقية أن التنظيم الوحشي في طور الهلاك.
غير أن الواقع ليس كذلك؛ فالتنظيم يتمدد في العراق وسورية، ويحتل مدنا جديدة. في العراق سيطر قبل أسابيع على أكبر محافظة. وفي سورية، بسط حكمه على محافظة تدمر، ويحاصر الحسكة من جميع الجهات، وصارت له مواقع متقدمة على تخوم العاصمة دمشق.
الوقائع هذه تكشف زيف الإدعاءات، والخطاب المنافق لعديد الدول العربية والإسلامية في المنطقة.
العداء الظاهر لتنظيم "داعش" يخفي خلفه ازدواجية في المعايير التي تتعامل فيها الدول مع خطر الجماعات الإرهابية عموما. فلو أن دول المنطقة تحارب "داعش" حقا لما تمكن من تحقيق هذه الانتصارات.
معظم الدول تحرص على أن لا يتخطى التنظيم حدودها. وإن فعل ذلك، وقد فعل في أكثر من دولة، فهي مستعدة لملاحقته ومحاربته، وضرب خلاياه النائمة والناشطة. لكنها في المقابل لا تبدي اهتماما يذكر بنشاط التنظيم في سورية، أوالعراق، ولا تبذل الجهد الكافي لقطع خطوطه التجارية؛ النفط والآثار المهربة على سبيل المثال. ولاتتخذ ما يلزم من إجراءات مشددة لمنع مواطنيها من الالتحاق بصفوف التنظيم.
والأدلة على ذلك كثيرة؛ استمرار تدفق المقاتلين بالمئات إلى سورية. واحتفاظ "داعش" بقدرته على تصدير النفط الخام، وتنقل عناصره القيادية بين دول في المنطقة بعلم ومعرفة أجهزتها الاستخبارية.
ثمة دول إقليمية ترى أن القضاء على "داعش" يصب في مصلحة النظام السوري وإيران. وهذه الدول غير مستعدة لتقديم خدمة مجانية لخصومها.
الحقيقة أن هذه الدول تجهل مصالحها؛ فتنظيم داعش لايشكل خطرا مباشرا على النظام السوري، لابل إن المعطيات الميدانية تفيد بوجود تفاهم غير مكتوب بين النظام السوري و"داعش". وجود "داعش" يخدم سردية النظام، ووجود النظام يمنح "داعش" شرعية العمل لحماية المجتمعات السنية من تعسف الأقليات الطائفية الحاكمة.
ولذلك تقوم استراتيجية "داعش" بشكل أساسي على استثمار مظلومية السنة العرب، لتبرير تمدده، و"داعش" يتمدد بسرعة وسهولة في هذه المجتمعات، ومشروعه لبناء ما يسميه بالدولة الإسلامية لا يقف عند حدود سورية والعراق، إنما يتخطاها وفي كل الإتجاهات.
بهذه المعنى "داعش" خطر على دول الجوار السوري، أكثر منه على الأنظمة الحاكمة في سورية والعراق.
في ضوء ذلك، ليس مستغربا أن يكثف "داعش" هجماته على السعودية في الآونة الأخيرة، أملا بفتح جبهة جديدة، واستثمار التعاطف الشعبي مع التيارات المتشددة، خاصة مع ارتفاع حدة التوتر الطائفي مع إيران، بعد عاصفة الحزم في اليمن.
ورغم ذلك فإن دول المنطقة باستثناء الأردن التي ماتزال تشارك بفعالية إلى جانب الولايات المتحدة، انسحبت فعليا من التحالف الدولي ضد "داعش"، وتوقفت عن المشاركة في الطلعات الجوية، أو المشاركة في الجهد العسكري للقضاء على التنظيم في سورية والعراق.
وإذا استمر الحال على ماهو عليه حاليا، فستجد دول كثيرة في المنطقة نفسها وهى تخوض الحرب ضد "داعش" على أراضيها.
سقوط النظام السوري من عدمه، لن يغير في استراتيجيات "داعش". هذا ما ينبغي على دول الإقليم إدراكه قبل فوات الآوان.