الرئيسية مقالات واراء
"لقد ولى إعداد المعلمين والمعلمات المسبق للمهنة، في معاهد خاصة بذلك من زمان. صاروا يعدونهم على الطريقة الأميركية الفاشلة: بالمساق العابر والساعة المعتمدة الطائرة؛ أي بالتسوق، فلا يتكونون أو يصيرون معلمين ومعلمات من الداخل، ملتزمين بنظرية تعلم أو فلسفة تربوية مؤاتية له، تضع مسؤولية التعلم واحترام إنسانية الطفل عليهم. هل لدى مجمل المعلمين والمعلمات معرفة بمثل هذه النظرية؟ وهل يعرفون شيئاً عن حقوق الطفل أو حقوق التلميذ؟".
"نعتقد أنه بإجراء امتحانات مدرسية عامة، سيتم الإصلاح. لكن مثل هذه الامتحانات ستزيد الوضع سوءاً، بنقل سلبيات امتحان الثانوية العامة إلى التعليم الأساسي. لكن عمليات الامتحان أسهل وأكثر إثارة".
"بينت نتائج حديثة لدراسة ذات علاقة، نُشرت في العدد الأخير من مجلة "عِلم" (Science)، ثم في الصحف، أن الأطفال يندهشون، فينتبهون، عندما يشاهدون شيئاً مثيراً. بينما يكونون أقل رغبة، وربما يصبحون بلداء، عندما يشاهدون حدثاً متوقعاً أو خالياً من الإثارة أو الفضول. وأنهم يستخدمون الأحداث المثيرة كفرص للتعلم. وأضافت الباحثة إيمي شتال، من جامعة جونز هوبكنز، في الولايات المتحدة الأميركية، قائلة: إن الأطفال ذوو قدرة بارعة على التعلم منذ تفتح حواسهم. وبوسعهم التعرف على العالم من خلال الملاحظة والاستقراء.
"إن لهذه النتائج معنى ومغزى، ومن ذلك أن تحويل المناهج والكتب إلى أكوام من المعلومات ليتعلمها الأطفال سنة بعد أخرى، يلغي متعة الإثارة منها، فلا تجعل الأطفال يندهشون ويتعلمون بالفعل، بل العكس، لأنها مجرد معلومات ميتة، يُطلب منهم حفظها وتذكرها في الامتحان، ثم نسيانها مع الوقت.
"ما لم تتحول المعلومات إلى معارف لصيقة بالمتعلم، فلا قيمة لها عنده، وبخاصة في هذا العصر الذي يمكن فيه للطفل، وليس للراشد فقط، وبواسطة لمسة بالأصبع لسطح صغير، الحصول على المعلومة فوراً، في أي زمان ومكان. ولن تتحول المعلومات إلى معارف، إلا بالأنشطة المدرسية والملاحظة والاستقراء، والتجارب المخبرية والمشغلية، والبحوث التي يستطيع كل طفل إجراءها بمقدارها في مرحلته العمرية.
"عندما تصبح الامتحانات التذكيرية الاسترجاعية اللحظية، هي الوسيلة والهدف، تصبح المدرسة سجناً أيضاً، يتمنى كل طفل/ تلميذ الخروج السريع منه، إلى الفضاء الواسع. والأطفال في أثناء "الحبس" فيه لا يتعلمون سوى الغش والعنف والتآمر.. ولا يسيطر على المدرسة والأسرة والمجتمع في هذه الحالة سوى حالات الطوارئ والتوتر والميل للعنف.
"لتطلق المدرسة خيال الأطفال إلى الأعالي، وتدفعهم إلى التعلم الدائم، فإنه يجب أن يكون التعليم بهيجاً ومثيراً. وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان حراً ومفتوحاً على الحياة، أو فيه كُوات يتنفس من خلالها الطفل والمعلم، أي خارج الصندوق، وهو ما لا تستطيع الامتحانات التذكرية الاسترجاعية اللحظية تحقيقه، بل العكس؛ إنها تقبره".
عندما أقرأ ما يكتبه مفكرنا التربوي الرائع المثقف حسني عايش، من مقالات نفيسة ونوعية في "الغد"، أشعر كأنني أستمع لموسيقى جميلة تداعب أوتار الروح، أو كمن يأكل وجبة شهية وهو جائع جداً. لذلك، لم أستطع أن أقفز عن بعض نصوصه التي يتحدث فيها عن التربية في "الغد"، من دون أن تلتهم أغلب فقرات المقال الذي كنت أريد أن أقول فيه: اقرأوا لهذا المفكر التربوي المهم، استفيدوا مما يقوله، استعينوا بخبراته وثقافته لتطوير التعليم. فالمفاهيم التي ما تزال تحكم نظامنا التعليمي عفا عليها الزمن. وإن لم نحدث ثورة مدروسة عميقة، لا قفزة في المجهول كما يخشى المسؤولون، فإننا سنجد أنفسنا دائماً في محاولات لترقيع نظام متهالك فاشل!