الرئيسية مقالات واراء
كان مؤرخو وفلاسفة السياسة في القرن التاسع عشر يعرّفون الحرب على أنها حالة سياسية بصوت عالٍ، واستمرار للسياسة بوسائل أخرى. وكان هذا التلطيف لبشاعة الحروب الأوروبية، جزءاً من عصر الصناعة،..ومن صناعة الأسلحة بالذات. ورغم أن عصوراً مرت على ترويج أساتذة ومؤرخي السياسة الدولية، إلا أن جيلنا كان يقرأ بنهم غير عادي كتب هنري كيسنجر عن الوزير النمساوي ميترنيخ الذي كان يبرر فيها حروب الولايات المتحدة في فيتنام وكمبوديا ولاوس،..وفي حركته المكوكية في الشرق الأوسط. فمصانع الأسلحة التي جعلت من مدافع نابليون وحروبه أسطورة وهي ذاتها مصانع الأسلحة الأميركية التي أدخلت كيسنجر ونيكسون مدينة بيجين المُحرّمة، والتعايش السلمي الأميركي – السوفياتي، ومشروعات الحروب العربية – الإسرائيلية.
والحقيقة، أن الحرب ليست حالة سياسية أو جزءاً واستمراراً لها، وإنما هي فشل معلن للسياسة ودبلوماسياتها هكذا بكل بساطة.
في النظرية أن النظام الديكتاتوري يأخذ شكل القوة المتصاعدة إلى أن يصل إلى نقطة تنتهي حتماً بالحرب. وبالحرب تكون نهايته. وما انهيارات الأنظمة الديكتاتورية العربية – وبغض النظر عن العدوان الأجنبي – إلاً تطبيقاً للنظرية.
..الفرق ان الديكتاتور العربي يحارب شعبه. وحين يدخل معركة مع قوى خارجية، فان هناك شباك حماية له لأن القوى الأجنبية تريد الحفاظ عليه لأن بديله مجهول وقد يكون خطيراً فعلاً. وليس من العجب أن تنتهي حروبنا مع إسرائيل، إلى هدنة، أو فصل قوات، أو التفاوض من أجل حلٍ ما!.
الديكتاتور السري، نجح في الهيمنة على لبنان باتفاقات الطائف، والحرص على انهاء الحرب الأهلية وكان لا يحب أن يطالبه أحد بوحدة بين سوريا ولبنان. وهذه اشرنا إليها في مقابلة صحفيين أردنيين لنائب الرئيس عبدالحليم خدام عام 1988. وبدل مناقشة محذورات هذا الموقف انهال خدام على عرفات، وعلى الفلسطينيين بالشتائم التي يتقنها السيد النائب. وقد تعرّض له زميلنا فهد الريماوي برد حاد يستحقه.وحين دخلنا لمقابلة الرئيس الأسد في اليوم التالي قال بطريقة شامية جداً: اسمعنا انكم تقاتلتوا مع خدام؟؟. فقال له رئيسنا وحبيبنا محمود الكايد: ما تقاتلنا سيادة الرئيس.. اختلفنا وأخذ الرئيس أربع ساعات ليعيد شتائم خدام لكن باستحضار التاريخ، والشيخ صالح العلي، وهنري كيسنجر..قصة طويلة.
لقد كان بيد دمشق وقتها خلق «حالة وحدة» مع لبنان والأردن وفلسطين. وقد اكتشفنا بعد سنوات أن «علاقة حب» مع الأردن كانت علاقة حب عابر:
-فالمشروعات المشتركة كانت مجرد كلام إذ لم تدفع سوريا حصتها من البنك السوري – الأردني، ولم توافق على فتح فرعه في دمشق، كما أن مصنع الاسمنت الأبيض لم تدفع دمشق حصتها فيه.. وحين بدأ يعمل لم توافق على الاستيراد منه. والشركة البحرية ماتت في مدينتها اللاذقية. والتعاون المائي انتهى باقامة أربعين سداً على اليرموك وبقي سد الوحدة فارغاً سنوات طويلة. وشركة النقل السورية – الأردنية افلست لأن الشاحنة تذهب إلى العقبة وتحمّل بـ700 دينار، والشاحنة الأخرى تذهب من دمشق إلى اللاذقية وتحمّل بـ700 ليرة سورية.
..واكتشفنا أخيراً أن الحب على خط دمشق – عمان، لم يكن إلا تكتيكاً لعزل..العراق.
انتهت الديكتاتوريات بالحرب حسب النظرية. لكنها على الطريقة العربية: الحرب على الشعب.