الرئيسية مقالات واراء
يكشف تصريح وزير الشؤون السياسية د. خالد الكلالدة، أنّ الدولة ألغت، عملياً، جماعة الإخوان المسلمين "الأمّ" من الوجود، واستبدلتها بالجمعية الجديدة المرخّصة. وهو ما بدأت ترجمته على أرض الواقع من خلال "حظر" أنشطة الجماعة، ومنعها من القيام حتى بأنشطة اجتماعية أو بروتوكولية، فضلاً عن السياسية.
الكلالدة أرسل ببرقية ذكية لقيادة الجماعة، فحواها أنّ هناك عنواناً آخر يمكنها اللجوء إليه، وتنظيم فعالياتها وأنشطتها وممارسة العمل العام من خلاله، وهو حزب جبهة العمل الإسلامي، وهو ما يزال خارج دائرة النزاع والسجال.
في الأثناء، رفضت جماعة الإخوان المسلمين (الأمّ) تسلّم إنذار عدلي من "الجمعية المرخّصة" بتسليم مقرّاتها وممتلكاتها لها. بالرغم من ذلك، تؤكّد مصادر مطّلعة قريبة من الجماعة الأم أنّه تمّ بالفعل، كإجراء احترازي، نقل الأشياء والأوراق المهمة والأساسية من مقرات الجماعة، تحسّباً لأي خطوات مقبلة. كما أنّ هناك توجّهاً لدى قيادتها بدفع الشباب الإخواني إلى التسجيل في حزب الجبهة لممارسة النشاطات العامة من خلاله.
في نهاية اليوم، ما كان أمس أمراً غير قابل للنقاش لدى قيادة الجماعة الحالية، أصبح عملياً هو الأساس. وبدلاً من تسجيل الجماعة قانونياً لاستباق المتغيرات الإقليمية وقراءة المعادلة الداخلية، خسرت القيادة معركة التسجيل القانوني، وأصبح الهدف هو الحفاظ على جبهة العمل الإسلامي، بعدما كان بإمكان قيادة الجماعة احتواء الأزمة منذ البداية، والاستماع إلى نصائح "حكماء الجماعة"، الذين لم يستمع لهم أيّ من الطرفين، سواء القيادة الحالية أو قيادة الجمعية الجديدة.
التطوّر الجديد الأكثر أهمية، يتمثّل في الاجتماع الذي عقد مؤخراً في منزل القيادي الإخواني نمر العسّاف، وحضره حكماء الجماعة وعشرات الشباب، وتمّ فيه تأطير الخيارات المتاحة أمام هذا التيار الثالث بخمسة سيناريوهات، هي: إما البقاء في أروقة الجماعة، أو الخروج منها والتفاعل مع الجمعية الجديدة، أو العمل تحت راية جبهة العمل الإسلامي، أو الاستنكاف عن العمل العام، أو تأسيس حزب سياسي جديد يعبّر عن هذا التيار.
تمخّض الاجتماع، أيضاً، عن رسالة "غير معلنة" إلى قيادة الجماعة، بدعوتها إلى مراجعة الموقف وقراءة الأزمة بصورة أكثر عمقاً. وهي رسالة تزامنت مع رسائل أخرى من شُعب عديدة في البلاد، إلاّ أنّ الرد كان التأكيد على الاستمرار في النهج الحالي، والتحذير من أي اجتماعات لمناقشة هذه الأمور!
التوجه الأكثر قبولاً لدى التيار الثالث، يتمثّل في تأسيس تيار وحزب جديدين، مع البقاء تحت راية الإخوان المسلمين الأمّ. لكن المشكلة تبدو أنّ الجماعة، نفسها، أصبحت محظورة قانونياً، وقد تخسر مقرّاتها قريباً، وتتحلل إلى جماعات ومجموعات، هذا من زاوية. ومن زاوية أخرى، قد تقف القيادة الحالية ضد تأسيس حزب جديد من أبناء الجماعة، ويكون مصيرهم مثل قيادات "مبادرة زمزم"، أي الطرد من الجماعة.
عموماً، من الواضح أنّنا أمام احتمال كبير لانبثاق ثلاثة كيانات جديدة، مع تحلل الجماعة الأم: حزب جبهة العمل الإسلامي (بوصفه المظلة القانونية البديلة)، والجمعية المرخّصة، وأخيراً ما يمكن أن يصل إليه التيار الثالث من إطار وتشكّل بقيادة
د. عبداللطيف عربيات وسالم الفلاحات وجميل أبو بكر وعبدالحميد القضاة وإسحاق الفرحان، وغيرهم من قيادات وشخصيات إخوانية عريقة، معهم نخبة من شباب الجماعة.
بالتأكيد، ستبقى الشرعية الشعبية بيد الجماعة الأم، لما لها من قاعدة جماهيرية. لكن أمامها معضلات كبيرة في مواجهة الواقع الجديد من جهة، وبضرورة إعادة النظر ومراجعة المسار الذاتي من جهة أخرى، مع بروز أزمات أخرى بنيوية لشقيقاتها، وتحديداً الجماعة الرئيسة في مصر اليوم.