الرئيسية مقالات واراء
استهل الفنان السعودي الموهوب ناصر القصبي، متعمدا، مسلسله الرمضاني "سيلفي"، بحلقتين تسلطان الضوء على سلوك تنظيم "داعش" الوحشي؛ لمعرفته الأكيدة بشعبية قصة الدواعش، خاصة في بلده السعودية، وما ستجلبه من أرقام مشاهدة قياسية لعمله الفني الجديد.
وقد كان للقصبي ما أراد؛ جدل واسع تفجر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي أوساط المشاهدين العرب، بلغ ذروته ببيان من "داعش" يهدد بقطع رأس القصبي.
لكن ما يستحق التوقف عنده، هو رد فعل المنتقدين لمسلسل القصبي، وموقفه من ممارسات "داعش"، ومواقف بعض المشايخ المؤيدين له. لقد بدا هؤلاء مصدومين مما شاهدوه، وكأن المسلسل يكشف حقائق لم يعرفوها من قبل عن "داعش". حتى "داعش" نفسه الذي انتفض غضبا من الحلقتين، بدا وكأنه تنظيم آخر غير ذاك الذي أصدر عشرات الفيديوهات التي يصور فيها، وبإتقان فاق في فنياته "سيلفي"، حفلات قطع الرؤوس وتفجيرها، وحرق الرهائن وهم أحياء، وتقطيع أطراف البشر والتهام أكبادهم.
ما الذي صدم أنصار "داعش" في مسلسل القصبي؟ هل لأنها مشاهد تمثيلية، وليست مقاطع لعمليات قتل فعلية أدمنوا على مشاهدتها في تسجيلات التنظيم؟ أم هي مسحة السخرية في الحلقتين، خلافا لما تكون عليه الحال في مشاهد القتل المروعة في حلقات مسلسل "داعش"؟
أكيد أن جودة الصورة وتقنياتها في تسجيلات "داعش"، تتفوق على ما قدمه ناصر القصبي في عمله الأخير. والسبب معروف؛ هناك تصوير حي لجريمة حقيقية، لا يمكن لمصور مهما امتلك من موهبة أن يضاهيها جودة في مشهد تمثيلي.
ليس في مشاهد "سيلفي" صدمة وترويع، بقدر ما في مشاهد "داعش"؟ هذا مؤكد وبدهي للجميع، باستثناء أنصار "داعش". فروائع السينما العالمية التي جسدت ويلات الحرب العالمية الثانية، لا تقاس أبدا بما خلفته المعارك الحقيقية من كوارث إنسانية مروعة.
مرد الصدمة والنقمة على ناصر القصبي من جانب "داعش" وأنصاره، حسب اعتقادي، كان بسبب فكرة المسلسل البسيطة؛ إعادة تصوير أفلام "داعش" على نحو ينزع عنها صفة القداسة والجهاد، ليقدمها للجمهور عارية من أي غطاء أخلاقي أو ديني، وبوصفها جرائم قتل بشعة، ترتكبها جماعة إرهابية لا صلة لها بدين أو طائفة.
في "سيلفي"، بدا "داعش" عاريا بالكامل، ومكشوفا على حقيقته. لقد هزت هذه الحقيقة التنظيم، وصدمت أنصاره الذين توهموا من قبل، أن ما يمارسه التنظيم من جرائم هي عمليات مشروعة للدفاع عن العقيدة والأمة.
الطابع الكوميدي الذي غلف المشاهد، هو أكثر ما أثار حنق الأنصار والمريدين. السردية العقائدية التي جاهد التنظيم في تكريسها كغطاء شرعي لجرائمه، تتحول مرة واحدة لمادة للسخرية، ستلازمه مع كل جريمة يرتكبها في المستقبل؛ ففي مقابل كل تسجيل لداعش، سيكون هناك مقطع مماثل يسخر من القتلة، ويصورهم على حقيقتهم.
حتى يوم وفاته، كان أدولف هتلر، وحزبه النازي، قوة إلهام لملايين البشر في ألمانيا، وأوروبا. لكن قوى التنوير والحداثة، والروح الإنسانية العظيمة التي تفجرت بعد ذلك؛ أدبا وشعرا وسينما، هزمت الفكرة النازية، وحولتها إلى حركة منبوذة لا تقوى على رفع رأسها في أي مكان.
المستبدون والإرهابيون في العالم العربي، ينبغي أن يعاملوا معاملة النازية. "سيلفي" يقرع الجرس لكل المثقفين العرب.