الرئيسية مقالات واراء
لم يفق المصريون والعالم من اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، حتى وقعت أمس عمليات منسّقة كبيرة من قبل جماعة "أنصار بيت المقدس" (التي أصبحت فرعاً من فروع "داعش")، أدت (وفقاً لصحيفة "الشروق" المصرية) إلى مقتل ما يزيد على 60 جندياً وشرطياً مصرياً.
كل هذه العمليات والتطورات الأمنية والعسكرية المقلقة، تزامنت مع ذكرى ما سميّ بانتفاضة "30 يونيو" 2013، التي تم دعمها وإسنادها من غرفة عمليات الثورة المضادة، وفتحت الباب أمام الانقلاب العسكري في الرابع من تموز (يوليو) 2013، الذي نشارف على مرور عامين كاملين على وقوعه!
ردّ فعل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على اغتيال النائب العام، كان متوقعاً، بالتزامن مع الجوقة الإعلامية المصرية؛ إذ قال: "يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين.. سنعدّل القوانين التي تجعلنا ننفذّ العدالة في أسرع وقت ممكن"!
ومن الواضح تماماً أنّ الرئيس السيسي يسعى إلى استثمار الأحداث الأخيرة لزيادة مساحة القمع وحكم الرجل الواحد، والتنكيل بالخصوم والمعارضين من مختلف التيارات، وبخاصة الإخوان المسلمين. والمفارقة أنّه على النقيض مما قاله السيسي، فإنّ أكثر من 41 ألف شخص تم الزج بهم في السجون المصرية، وحكم على آلاف بالإعدام وبالسجن أعواما طويلة، وخسر القضاء المصري سمعته داخلياً وخارجياً بسبب ما سميّ بـ"إعدامات الجملة" التي كان يصدرها القضاة في دقائق معدودة.
قام نظام السيسي بوضع قيادات جماعة الإخوان المسلمين جميعاً في السجون والمعتقلات، وحكم قضاته على العشرات من قياداتها بالإعدام، واعتبرها جماعة إرهابية، وجرّم الانتساب إليها، في تكرار لمنطق الحكم الاستبدادي والعسكري؛ فكيف يمكن اليوم تحميل هذه القيادات المعزولة في السجون مسؤولية الأحداث الدموية الأخيرة؟!
المفارقة الأخرى أنّ القيادات المعتقلين والمسجونين، يدفعون اليوم فاتورة مضاعفة. فهم متّهمون من قبل الجيل الصاعد من شباب الجماعة وأنصارها المتحمسين، بأنّهم انهزاميون وسلميون، وأنّ طريقتهم المسالمة المدنية لم تؤدّ إلى أي نتيجة. وهو اللحن الذي تعزف عليه جيداً جماعة أنصار الشريعة "ولاية سيناء" لتنظيم "داعش"؛ إذ أصدر الناطق باسم التنظيم، أبو محمد العدناني، مباشرةً بعد الإطاحة بمحمد مرسي خطاباً بعنوان "السلمية دين من؟"، يكفّر فيه مرسي والإخوان المسلمين ويصفهم بالعلمانيين والمرتدين والطواغيت، لأنّهم قبلوا بالخيار الديمقراطي المدني السلمي!
من المهم جداً أن نقرأ التقرير الذي أصدرته منظّمة العفو الدولية في ذكرى مرور عامين على "30 يونيو"، ويتحدث معدّوه عن إقامة نظام قمعي أمني استبدادي، بعنوان "سجن جيل: شباب مصر من الاحتجاج إلى السجن". ولعلّ ما كتبته حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "العفو"، هو من أهم ما جاء في التقرير: بعد عامين من الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، حلت عمليات القبض الجماعي محل المظاهرات الشعبية". وأضافت: "من خلال استهداف النشطاء الشباب في مصر بلا هوادة، تسحق السلطات آمال جيل كامل متطلع إلى مستقبل أكثر إشراقًا". ورأت أن "كثيراً من هؤلاء النشطاء الشباب يقبع اليوم خلف القضبان مما يوفر كل الدلائل على أن مصر عادت إلى دولة القمع الشامل".
الدلالة المهمة في كل ما يجري، أنّ محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء واستعادة نمط الحكم القمعي وإزهاق طموحات وآمال جيل كامل بالديمقراطية والتغيير، لن تؤدي إلى العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل 2011، بل إلى كارثة محقّقة، كما يحدث في سورية والعراق وليبيا واليمن.