الرئيسية مقالات واراء
قرأنا خبر وفاة رسام الكاريكاتور بيار صادق في لبنان، ولأنني أعرفه من أيام «النهار»، اسرعت إلى استدعاء الصحيفة على الإنترنت لأقرأ أكثر فلم أجد فيها أي خبر أو نعي عن وفاة صحفي عظيم ساهم في وضع «النهار» على رأس قائمة الصحيفة الأهم.
ووفاة بيار صادق لها علاقة بوفاة أهمية هذه المادة الصحفية التي انتهت أو كادت من الصحافة العربية. وكنت أرى نشاط رسامي كاريكاتور أردنيين في موقع المراوحة في صحافتنا، مع أنهم مميزون، وأصحاب مهنة، لكن رعايتهم بقيت مقصورة على رواتب مجزية لفترة ثم يجد الرسام نفسه خارج الصحيفة.
كان مكتب بيار صادق في «النهار»، بجانب مكتب ميشال أبو جودة رئيس التحرير، وبينهما باب مشترك رسم بيار في المطل على مكتب ميشال صورة رئيس الجمهورية سليمان فرنجية بالسموكنج، يضع في فمه سيكارته الطويلة «بالبزّ» يشعلها من شمعة في العتمة، وهي رمز مثير للسخرية إذ إن انتخاب فرنجية صاحَبَهُ انقطاع الكهرباء عن قاعة المجلس،.. وكان نجاح فرنجية بصوت واحد قيل إنه صوت كمال جنبلاط الذي اختار أن يخرج على قرار «القوى الوطنية» التي أيّدت إلياس سركيس.. بدعم سوري صارخ ووقتها اختارت «النهار» أن تسمي صوت جنبلاط: بصوت الشعب.
..على الجهة الثانية من الباب رسم بيار رئيس الجمهورية بشروال ولبدة أهل الشمال، معلقاً على كتفه: بارودة. وقد عرفنا وقتها أن الرئيس تمنى على التويني، وعلى أبو جودة «تنزيل البارودة» من الكاريكاتور اليومي. فرفض الاثنان، فالرئيس كانت البارودة مركز القوة لشقيقه مرشح رئاسة الجمهورية قبل موته المفاجئ. وجاء سليمان إلى السياسة بالبارودة، ويقال إنه صاحب مجزرة كنيسة مزياره.
كان كاريكاتير بيار صادق مميزاً لأنه كان إلى جوار مكتب عبقري اسمه ميشال أبو جودة. وحين غادر بيار صادق «النهار» انطفأ مجده، لأنه كان يلتقط إيحاءات أبو جودة ويحوّلها بأسلوبه الساخر إلى كاريكاتور شهي يعادل مئة مقال.
عندنا المساكين رسامو الكاريكاتور كانوا ضحية القيادة الصحفية التي لا تختلف كثيراً عن وظائف القيادة في الدولة: هيبة.. ولا فكر فكانوا إذا تجرأوا على فكرة صودر عملهم، لذلك لا تجد أي رئيس وزراء أو وزير أو حتى آذن وزير في الكاريكاتور. والرسام ليس سياسياً، ولا صحفياً مسيّساً، ولذلك يأتي كاريكاتوره بلا عمق، لأن مسَّ العمق ينتهي به كما انتهى، ناجي العلي!!. مطروداً من صحيفته مقتولاً في لندن.
نظن أن بيار صادق مات مقهوراً لأن الصحافة اللبنانية التي «تلغمطت» بالنفط لم تعد تسعه، كما أن جزءها «الملغمط» بالدم والديكتاتورية لا تريده. ناجي العلي بقي فلسطينياً ويرسم، ولم يمت مقهوراً فقط.. بل مات قتيلاً.