الرئيسية مقالات واراء
اصبح العرب المعاصرون بحاجة الى معجم جديد لإعادة تعريف المصطلحات، فهي الان تتناسل بشكل جزافي ويتداولها الفضاء الاعلامي كما لو انها حجارة كريمة او ايقونات، مع العلم ان اللغة هي احيانا ما تقتادنا من أنوفنا وتفكر لنا بعكس ما هو شائع في ثقافة لا تزال شفاهية . وقد لا تكون هناك مفردة في لغتنا ادق من مفردة الانتحاء للتعبير عن التلاعب بدلالات المصطلحات
وهناك امثلة تصلح مدخلا لهذا الانتحاء منها الدولة العميقة وكأن هناك بالمقابل دولة سطحية او عابرة، ولا ادري ما المقصود بالدولة العميقة كما يقدمها الاعلام الاعلاني السّائد الان، هل هي المؤسسات والتقاليد والاعراف واجهزة الامن او ما يسمى الاجهزة السيادية والجيش ؟
وان كانت كذلك فهي دولة تتطلب الحفاظ عليها لأن تفكيكها يفضي بالضرورة الى الفوضى والفراغ وهما شرطان لا بد من توافرهما كي يصبح الارهاب بديلا ويتقدم ويتمدد ليملأ الفراغ . وان كانت غير ذلك فنحن بانتظار الفقهاء الجدد الذين يتبادلون الفتاوى في واقع افتراضي، وقد يكون واقعا مُترجما حتى النخاع . لقد اطلق العرب في ستينيات القرن الماضي مصطلحات تبدو مثيرة للسخرية اذا قرئت في ضوء المنطق بأبسط صوره، منها الثورة التقدمية وكأن هناك ثورات رجعية، اما اذا كان المقصود هو الثورة على الثورة فذلك له سياق آخر ومقام آخر ايضا .
والأرجح ان السّبب في هذه البلبلة وهذا الاضطراب في التعاطي مع المصطلحات هو كونها مترجمة ومخلوعة من سياقاتها التاريخية والاجتماعية والثقافية . ولو اخذنا أمثلة اخرى مثل: الاكاديمية والليبرالية والشفافية فإن ما حدث هو انتحاء مبالغ فيه اصبحت هذه المصطلحات عديمة الدلالات لفرط التعويم والتعميم في استعمالاتها .
فبعد ان كانت الاكاديمية مطلبا منهجيا وعلميا بالنسبة لشعوب تعاني من أمية وبائية، اصبح المفهوم الاكاديمي يعني ما هو مضاد للابداع . وقد يغيب عمن يستخدمون هذا المصطلح انّه يعود الى ضريح محارب اغريقي اسمه اكاديموس كان الفلاسفة وطلاب المعرفة يتحلقون حوله في ندواتهم . أما المصطلحات الاكثر تداولا من طراز المائدة المستديرة واليسار واليمين فإن لكل منها قصتها في التاريخ . ان الافراط في تداول مصطلحات مترجمة او محرّفة قد يحول اللغة الى وسيلة لتعميق سوء التفاهم وليس العكس !!