الرئيسية أحداث فنية
أحداث اليوم -
المكان لا يليق بالحيوان، فكيف اذا سكنه انسان؟ موجع هو منظر المغنية العراقية سهى عبد الأمير التي أصيبت بالجنون نتيجة تعرضها لتعذيب من زوجها الذي أخذ أولادها منها وطردها، حسب ما أشيع، وراحت تجوب الشوارع بملابسها الرثة لسنوات لا تحصد غير عطف الناس الطيبين ومساعدتهم لها، فيما أعين الحكومة مغمضة عنها غير آبهة بها، ليس لأن هذه الإنسانة فنانة وحسب، بل لأنها إمرأة وحيدة وتعرضت الى ظلم كبير أدى بها الى هذه الحال التي يرثى لها، وتناهض أبسط حقوق الحيوان وليس الانسان، وكأننا نستذكر كلمات تلك الاغنية التي غنتها من الحان الراحل طارق الشبلي : (يا شجرة التفاح سافر حبيبي راح / تساليني عن الحال يا شجرة ما مرتاح /شلون شلون شلون يا روحي شلون انا) .
فهذه المرأة ، التي كانت تسمى فنانة في السابق، ولها مكانتها تحولت بفعل فاعل ظالم الى هذا الحال البائس، فزادها المجتمع ظلمًا، بل الحكومة حينما تركتها هائمة على وجهها في الشوارع الخلفية للمدن لا تعرف ما تفعل سوى أن تنام متى يحاصرها النعاس وتستيقظ متى ما غادرها النعاس أو تسبب احد في ازعاجها، وتأكل من اية قمامة، لا تفهم من الحياة غير أنها واجمة مظلومة لا حول لها ولا قوة، ومرت عليها السنوات وهي منكسرة بهذا الظلم، ليس لها سوى أن ترضخ لمشيئة الظلم، لكنها توحي بتصرفاتها انها تعي بعض الشيء ولكن في داخلها ما يمنعها من أن تستوعب الحاضر، لاسيما أنها رمت نفسها على قارعة الطريق امام العمارة التي كانت تسكن احدى شققها عندما كانت في كامل قواها العقلية.
هذه الفنانة سابقا/ المجنونة حالياً.. استقر بها الحال الى أن تسكن على الرصيف في مكان من منطقة البتاويين، في كوخ وليس هو بكوخ، مساحته (متر واحد × مترين)، لأنه مجرد قطع من حديد (الدجينكو) الصدئ، بباب صغير جداً وسقف غير مرتفع، وهنالك فتحة في جانبه تؤكد للعابر بنسبة مليون بالمئة أن هذا المكان لكلب، وانه ليس افضل من الكوخ الذي يسكنه (كلب) عند بعض الأثرياء ، تحيط به النفايات، وبالتأكيد لا يحميها من برد، أو يأمنها من خوف، لأنها لا تعرف معنى الخوف، وليس هنالك لها في المكان الملتصق بقطعة ارض فارغة مليئة بالنفايات سوى إمرأة من الجيران تحنو عليها وتطعمها، وهناك عناصر الشرطة المكلفون بحماية بناية حكومية يقومون على حمايتها بعيون تتطلع اليها ليلاً ونهاراً ويهرعون اذا ما شاهدوا احداً يقف ازاء كوخها، حتى أن الذين هناك لا يسمحون لمن يود زيارتها الا أن تكون معه امرأة ، لذلك حين قررنا زيارتها رافقتنا الزميلة اسماء عبيد، وحين وصلنا وجدناها تنظف المكان وتجمع اغراضها في اكياس نايلون وصناديق كارتونية، وما ان مددت رأسي في الكوخ حتى صرخت بي ، لولا أن اسماء تدخلت وتحدثت اليها، فسكنت ، لكنها بعد قليل قالت (سأسافر..، سأرجع الى البصرة) ومن ثم يرتفع صوتها فتشتم وتسب وتطالب بالاعدام، وحين سألتها لمن؟ قالت بعد أن مرت لحظات وكأنها إنتبهت لما تقوله (الباب .. الباب) ، وتركتنا لتنشغل بالتنظيف وتدور حول (الكوخ) فيما إجتمع البعض حولنا، راحت تعبر عن غضب وتزداد حدة كلماتها غير المترابطة، وحين اردنا المغادرة سألناها اذا كانت تحتاج الى شيء ما لنجلبه لها فقالت: لا ، ولما قلنا لها نحن ذاهبان، ردت علينا: باي باي.