الرئيسية مقالات واراء
حاولتُ ألاّ أكذبَ عليه ؛ ولكني كذبتُ ..حينما ارتفعت حرارة ابني»غاندي / الذي يقترب من عمر السادسة» فجأة قبل أيّام وهو الذي خرج من المستشفى قبل العيد بيوم واحد ..كنتُ أعلم بأنهم بعد الكشف و الفحوصات سيبيّتونه لأيّام أخرى طوال ..رفض أن يذهب ؛ وبعد شدّ شديد ودموعه تغسل وجهه اشترط عليّ العودة في نفس اليوم ؛ كذبتُ حين وعدته لحظتها بالعودة معي..ولكنها الطريقة الوحيدة ..وحينما أدخلوه و صاح بدموع لم أعهدها ؛ فاوضته كاذباً أيضاً على الأيام ؛ وعدته ألا تتجاوز اليومين وأنا أعلم أن الأسبوع قليل ..! أستطيع أن أؤكد لكم أن عبارة ( بيته الثاني) تليق بـ»غاندي» و المدينة الطبية ..فهو يحفظها أكثر مني و يعرف أسرارها و أشجارها و أطباءها و يحب بعضهم ويكره بعضهم ..ويتعامل مع الصبايا الممرضات بتحدٍّ رجولي ..بل إنه عندما يطلب الطلب ولا يستجبن له ؛ يقول لهنّ فوراً : خاوة رح أعملها ..و يعملها ويظفر بنشوة التحدّي و الفوز..! في السنة و النصف ؛ دخل غاندي المدينة الطبية كثيراً ..في حرّها وبردها ..في خريفها و ربيعها ..وكل مرّة يعتقد أنها آخر مرّة وأنا أعلم أنها لن تكون الأخيرة ولا قبل الأخيرة لأن مشواره العلاجي طويل قليلاً ..ولكن ما استفزّني في الكتابة ؛ أن طفلاً لم يصل للسادسة بعد يصبح شديد الاهتمام بكلّ تفاصيل ما يدور حوله ..فيحفظ أسماء الاطباء و الممرضات والأدوية و الأمراض ..ويلفظها بشكل صحيح ..حتى إنني أخجل أمامه حين يلفظ مصطلحاً بالإنجليزي وأنا أتلعثم فيه .. لك الله يا ولدي ؛ كم كبرتَ في العامين الأخيرين ..كم أنظر إليك وأتعلم منك الصبر و الجلد ..وأدهش حين تنادي بنفسك على الممرضة وتطلب منها تغيير الإبرة التي في يدك لأنها ( أوت) ..!! ليت الذين يدوسون علينا كلّ يوم ؛يتعلمون منك كيف يطلبون العلاج الحقيقي حين يكون علاجهم (أوت) ..!! وكأن (الأوت) هو الناجع فيهم كي يستمروا في خداعنا ونحن نعلم بخداعهم ولكننا أجبن من أن نعترض حتى في خطأ العلاج ..!