الرئيسية أحداث دولية
أحداث اليوم -
لجأ الرئيس السوري بشار الأسد إلى لغة أمراء الحرب بشكل غير مسبوق خلال خطاب ألقاءه أمس حيث اعترف خلاله بانسحابه من مناطق من أجل إحكام السيطرة “على مناطق أكثر أهمية”، في وقت طمأن حسن نصرالله زعيم حزب الله الشيعي اللبناني مؤيديه أن الأموال الإيرانية لن تتوقف عنهم.
وفي لهجة مصارحة لم يعتد الرئيس السوري ورئيس الحزب اللبناني عليها من قبل، تعمد الرجلان الإشارة بوضوح إلى الدعم الإيراني لموقفهما المتذبذب في سوريا ولبنان بعد أيام من توصل القوى الدولية عقب مفاوضات شاقة إلى اتفاق نهائي مع إيران حول ملفها النووي.
ورأى مراقبون أن الأسد، لم يُفلح في تبديد القلق المُتفاقم الذي بات ينتابه في أعقاب تغير المعايير المتعلقة بالتوازن العسكري، وبروز ملامح تبدل المعادلة السياسية ارتباطا بتداعيات التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، ما دفعه إلى التلويح بأن “دولة الساحل ودمشق” صارت ضمن استراتيجيته.
واتسمت لهجة الرئيس السوري في الخطاب الذي ألقاه أمس، أمام رؤساء وأعضاء المنظمات الشعبية والنقابات المهنية وغرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة في بلاده، بالارتباك الذي عكسته إشاراته المتواصلة إلى عدم قدرة جيشه على تحقيق انتصارات حقيقية، رغم محاولاته التي سعى فيها إلى إظهار نوع من الثقة بالنفس، وبحلفائه في طهران وبيروت.
وكان الرئيس السوري، قد برر انسحاب قواته العسكرية من بعض المناطق لصالح المعارضة المسلحة، بالقول إن ذلك “ضروري للحفاظ على أماكن أهم”، ولم يتردد في الاستنجاد بشكل علني بإيران، وحزب الله اللبناني، الذي قال زعيمه السبت إن الولايات المتحدة ستبقى “الشيطان الأكبر”، مؤكدا أن دعم إيران لحزب الله ثابت ولن يتغير.
وأثارت تصريحات الأسد انتباه المراقبين الذين وصفوها بأنها مقدمة لتحول جوهري في المواقف، تؤشر إلى أمر جديد مُرتقب قد يقلب موازين المعادلة السياسية في اتجاه خضوع الأسد للفكرة القائمة حاليا بتقسيم سوريا على أمراء الحرب، ما يعني قبوله بحصر نفوذه في دمشق والساحل السوري.
وتعني تصريحات الأسد في خطابه بالأمس، أن ملامح “دولة الساحل ودمشق” برئاسته، والتي ستكون مدعومة إيرانيا، بدات تتضح لا سيما وأنه اعترف بأن جيشه يواجه نقصا في الأفراد، وأنه يضطر إلى التخلي عن مواقع عسكرية، تحت ضغط فصائل المعارضة بهدف الاحتفاظ بمناطق أخرى أكثر أهمية.
وأسندت مهام أوسع لحزب الله لدعم ومساندة القوات السورية المنسحبة، في الوقت الذي يجاهر فيه نصرالله بالدعم الكبير الذي يتلقاه الحزب من إيران.
وقال في خطاب ألقاه عبر شاشة عملاقة في احتفال “تخريج أبناء شهداء” حزب الله أقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت “نحن نقول بشكل عال وواضح: نحن نحصل على دعم مادي ومالي من الجمهورية الإسلامية ونفتخر بأننا نتلقى دعما من هذا النوع.”
وتوضح هذه التصريحات التي سبقت خطاب الأسد مباشرة توسيع نطاق الدعم السياسي للنظام، إلى جانب الدعم العسكري على الأرض.
وأدت سياسة الانسحابات العسكرية التي تبناها الأسد في الفترة الماضية إلى ارتخاء قبضته حول المدن الأكثر ازدحاما بالسكان في غرب سوريا، وعلى رأسها مدن دمشق وحمص وحماة والساحل.
ويقول دبلوماسيون إن الإيرانيين، حلفاء الأسد في المنطقة، هم من أسدوا له النصيحة باتباع سياسة الانسحاب بعد الخسائر التي مني بها جراء تمدد الجيش السوري على جبهات عدة في السابق.
ويسيطر نظام الأسد على مساحة لا تتخطى 25 بالمئة من إجمالي الأراضي السورية، بينما يتقاسم تنظيم داعش باقي المساحات الشاسعة في سوريا مع فصائل المعارضة وجبهة النصرة المدعومة من تنظيم القاعدة ووحدات حماية الشعب الكردية التي تمكنت أمس من طرد عناصر داعش من أحياء في مدينة الحسكة شرقي البلاد.
وإذا ما انهار تماسك البلاد، فمن المتوقع أن يحشد الأسد معظم قواته العسكرية للدفاع عن المناطق الساحلية حول محافظتي اللاذقية وطرطوس اللتين مازالت الأغلبية من العلويين تتحصن بداخلهما.
وسينتج عن ذلك قيام دولة علوية مجاورة لدولة كردية وأخرى سنية. ويقول محللون إن الاقتتال في سوريا عندئذ سيتحول إلى حروب بين دول مجاورة تتصارع على مناطق النفوذ والثروة، وقد يتطور الأمر إلى حرب إقليمية واسعة.
ورغم اعترافه بوجود نقص بشري حاد في صفوف الجيش، لا يبدو الأسد مستعدا للدخول في أي نقاش محتمل حول تخليه عن السلطة، وبدلا من ذلك يظهر استعداده بشكل أكبر إلى الاستئثار بدولة طائفية وترك مناطق واسعة لكي تقيم عليها الطوائف الأخرى دولا كحل وسط.
وبدا ذلك واضحا عندما وصف الأسد الحديث عن حل سياسي للأزمة بـ”الأجوف وعديم الفائدة”، وأن “الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جنسيته وجواز سفره بل لمن يدافع عنه ويحميه”، على حد تعبيره.