الرئيسية مقالات واراء
دُقّ جرس الإنذار في الولايات المتحدة الأميركية قبل أعوام، عندما تراجعت مرتبة المدارس الأميركية على سلّم الترتيب العالمي في المواد العلمية للمدارس، مقارنةً بمدارس دول أخرى. ورأينا دور كتّاب كبار، وأغلفة أشهر المجلاّت، ونقاشات عميقة وسجالات هائلة في الإعلام وبين الخبراء، لتحليل أسباب ذلك التراجع، الذي لم يكن كبيراً بالنظر إلى حالة المدارس الأميركية وترتيبها عالمياً!
أمس، قرأنا أخباراً تقرع عشرات أجراس الإنذار عن حالة التعليم والمدارس في الأردن، وتحمل في ثناياها دلالات اجتماعية وثقافية مقلقة جداً، إنما من دون أن نجد اهتماماً إعلامياً وسياسياً رسمياً حقيقياً يذكر، بالرغم من أنّها منبثقة من التحليلات التي تقدمها وزارة التربية والتعليم لامتحانات الثانوية العامة "التوجيهي".
فوفقاً لهذه المعطيات، هناك 12 مدرسة من أصل 14 مدرسة في الأغوار الجنوبية شهدت عدم نجاح أي طالب فيها، فيما بلغ عدد المتقدمين الإجمالي للتوجيهي في الأغوار الجنوبية 348 طالباً وطالبة، نجح منهم 26 فقط.
وفي البادية الشمالية النتائج الوخيمة أكثر وضوحاً؛ إذ بلغ عدد المدارس التي لم ينجح منها أحد قرابة 69 مدرسة. ففي لواء البادية الشمالية-الشرقية، بلغ عدد المدارس التي لم ينجح منها أحد 50 مدرسة من أصل 75، بنسبة نجاح تصل إلى 7 % فقط. أما في لواء البادية الشمالية-الغربية، فهناك 19 مدرسة لم ينجح فيها أحد من أصل 59 مدرسة، وبنسبة نجاح 12 % فقط في المدارس الحكومية.
نحن أيّها السادة أمام مناطق يمكن أن توصف بأنّها منكوبة تعليمياً، بسبب هذه الظاهرة "المدارس التي لم ينجح فيها أحد"، من جهة، ونسبة النجاح فيها المحدودة جداً تتراوح بين 7-15 %، ما يعني بعبارةٍ أكثر وضوحاً أنّها تفتقد إلى المساواة القانونية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية مع المدارس الأخرى؛ فهناك ضعف في مستوى المعلمين وعدم استقرار (كما أوضح مسؤولون في تفسير هذه الظاهرة)، وظروف غير صحية للمدارس الحكومية، فضلاً عن ظروف الفقر والحرمان الاجتماعي التي تدفع بالطلبة إلى ترك المدارس لمساعدة ذويهم في العمل، أو لأنّ الشروط الأساسية للبيئة التعليمية غير متوافرة في تلك المناطق.
بالضرورة، ليس المطلوب أن ينجح أبناء هذه المدارس بعلامات مرتفعة أو نسب نجاح كبيرة، وقد يكون من الطبيعي ألا نجد اهتماماً بالتعليم لدى نسبة من الطلبة مقارنة بطلبة آخرين. لكن المقصود هنا هي الظروف أو الشروط والمدخلات الأساسية لخلق فرص التعليم وتوفيرها لمن يتمكنون من ذلك، ثم في بناء مسار واضح لتنافس عادل وأخلاقي بين الأجيال الصاعدة، وهو الأمر الذي من الواضح أنّه غير متوفّر، بدلالة هذه النتائج المتكررة في كل عام في تلك المناطق، ومناطق أخرى قد تكون أفضل حالاً منها بقليل، لكنّها تعاني من المشكلة نفسها.
لم يعد مقبولاً الصمت على هذه الظاهرة، ولا بد من دراستها وتحليلها واتخاذ إجراءات استراتيجية للحدّ منها وتحسين المخرجات في تلك المناطق، حتى إن اقتضى الأمر تحسين فروع معينة من التعليم، مثل الصناعي والزراعي، لتشجيع الطلبة على الدراسة، بالإضافة إلى خلق حوافز حقيقية للمعلمين هناك تتجاوز الحوافز الحالية البسيطة.
مواجهة هذه المعطيات في المدارس والمراحل الأولى من التعليم، حتى قبل الوصول إلى امتحان الثانوية العامة، تمثّل حلاّ وقائياً للمناطق المنكوبة تعليمياً أو الشبيهة بها في البوادي والأرياف والمحافظات البعيدة، حتى نحدّ من النتائج السلبية التي تؤدي إليها عبر تخصيص "كوتا" في الجامعات للأقل حظاً ولأبناء العشائر وغيرها من عشوائيات خلقت شقوقاً كبيرة في مفهوم المساواة في القبول الجامعي، وأثرت أيضاً على نوعية الطلبة في الجامعات الأردنية ومستوى التعليم عموماً.