الرئيسية أحداث محلية

شارك من خلال الواتس اب
    عمان .. مدينة «المولات»

    أحداث اليوم -

    كتب: فارس الحباشنة
    في عمان ما يزيد عن 50 «مولا»، انتشرت كالنار في هشيم العاصمة ومدن كبرى أخرى خلال سنوات قليلة، ابتلعت الاسواق التقليدية وكرست بفعل سطوتها «الباطونية» العملاقة لنمط استهلاكي جديد «اكثر جاذبية وترويج»، فلم يعد رائجا في عمان الاسواق التجارية المؤلفة من شارع ومحال تجارية على جانبيه.
    «المول» لم يعد حكرا نمطيا عمرانيا و«اقتصاديا استهلاكيا» على الشق الراقي من المدينة، بل أنه يمتد بوتيرة تسارع جنوني للطرف المقابل للمدينة، واصبح أين ما ترمي عينك نظرها فانك ترى مولا تجاريا جاهزا أو قيد الانشاء.
    لا يفهم حقيقة ما هو سر حماسة اقبال المواطنين على المولات؟ وكيف تغيرت شيئا فشيئا انماط ومظاهر الاستهلاك التقليدي، وانعكس ذلك بوضوح على مفهوم المدينة التنظيمي، فالمول عاد مركبا من مقوماتها الاساسية، وما يتبع ذلك من ضرورات وظيفية واستهلاكية ومعمارية واجتماعية واقتصادية، جعلت من «المول» مفهوما ثقافيا.
    المول وثقافته من الاشكال العصرية للمدينة بلا منازع، ومفهوما اخر لدور المواطن بها، تبدأ أولا بشكل الاستهلاك وتنتهي بجعله رمزا للعصر الحداثوي الذي اكتسحنا بتكنولوجيا الاتصالات والعالم الرقمي المرعب للخيال.
    «المول» بالطبع مكان منفصل عن نبض المدينة التقليدي والاعتيادي «الروتيني» عن روحها، يفرض بحكم انعزاليته قواعد خاصة، ينتج في المجتمع جمهورا خاصا من مرتاديه والمتورطين في نمطه الاستهلاكي وحتى ثقافة التعايش مع المكان.
    شباب يجدون بـ«المول» متنفسا للترويح والتسلية في مدينة مقفلة، فسحاتها العامة محدودة بل أنها معدومة بمناطق عديدة، يقرر الشباب ذكورا واناثا الذهاب للمول، ويجدون به الخيار اليتيم، ولربما أنهم لا يلامون على ذلك، فهو أفضل من الجلوس على الطرقات أو «التسكع بها»، وهو أكثر أمانا من حدائق ومتنزهات يكثر الحديث عن مفاسدها الاخلاقية.
    تدريجيا، فان العلاقة مع المدينة تضمر وتتلاشى أيضا، «تعال نروح على المول».. عبارة يكثر ترديدها، وهي تختزل ببساطة علاقتنا بالمدينة وتسطحها، المدينة تموت في وجدان الاجيال الناشئة، «المول» هو الصورة الوحيدة العالقة والنابضة والحية، فالاوصال بالمدينة تقطعت، ولم يعد للحي والحارة والازقة أي ذكر على الاطلاق.
    انتشار المول يطرح أسئلة عدة حول هذه «الطفرة الشذوذية» ومداها المتاح فيما بلغ به السوق حد «الغرق الاستثماري»، فهل تنافس تلك المولات بعضها البعض؟ أم انها تقتل وتبتلع بنمطها «الفاشيستي» الاقتصادي والثقافي والعمراني والاستهلاكي الاسواق التقليدية؟
    ما يبعث على التساؤل أن المول «المبني الاسمنتي العملاق» بنموه وتمدده لا يضرب فقط الانماط التجارية التقليدية، بل أنه يقتل الاقتصاديات الزراعية والانتاجية الصغيرة والمتوسطة «اجبان والبان وخضار وحليب وغيرها»، والتي يعتاش من تجارتها الاف المواطنين، وكانت في السابق تلبي حجما لا بأس به من احتياجات المدن الكبرى الاستهلاكية.





    [30-07-2015 03:27 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع