الرئيسية أحداث دولية
أحداث اليوم -
رضاعة حليب لم تفرغ بعد.. ما تزال هناك جرعة لضمان نوم هادئ لطفل ظن ذووه أنه يرقد بسلام في سريره دون أن يتوقعوا الشر القادم من مكان قريب.
تلطخت رضاعة الحليب بالأسود الحارق، وفي المكان قطعة قماش نُسميها في بلادنا "مريلة" كُتب عليها "صباح الخير يا ماما".. احترق جزء منها وبقي آخر ليذكر الأم -إن كتب لها الحياة- بقصة مرعبة تتابعت فصول خسائرها فكان أكثرها فجاعة احتراق ابنها علي دوابشة بنيران حاقدة أشعلها مستوطنون في منزل العائلة في قرية دوما قرب نابلس.
كل ما في المكان مرعب، لا أحد في البلدة يتخيل ما جرى؛ بيوت محترقة، وأناس تشتعل النيران في أجسادها، وطفل لم يتجاوز العام ونصفًا فارق الحياة بعد قليل من احتراقه.
في دوما لا يستطيع الناس الحديث من هول الصدمة وأكثرهم يقولون "إنه محمد أبو خضير جديد"، فالكل يستذكر قصة حرق الفتى أبو خضير في مدينة القدس على يد مستوطنين.
طفل لم يتجاوز العاشرة يتفقد صورًا وألعابًا للطفل الشهيد، يتجوّل بين الركام، يمسح دموعا انهمرت لهول المشهد، فيلطخ وجهه بالدخان الأسود الحاضر في المكان، يتمتم ببضع كلمات غير مفهومة، يصرخ بعدها "الله ينتقم منهم".
رجل مسن يتفقد ما تبقى ما باب المنزل المحترق، لا يدرك كيف يعبر عن هول ما يرى أمام عينه، فكل ما في المكان ركام، يستجمع شيئا من قواه ليقول: "خلي العالم ييجي يشوف مين هو الإرهابي؛ علي وعائلته ولا المستوطنين".
شهود عيان رووا لـ"الحياة الجديدة" شيئا من تفاصيل الجريمة، فأكدوا أن مجموعة من المستوطنين حطمت نوافذ عائلة المواطن سعد دوابشة مع ساعات الفجر الأولى، وشرعت بإلقاء زجاجات حارقة وقنابل سريعة الاشتعال داخل المنزل، ما أدى لاستشهاد الرضيع علي وإصابة والديه وشقيقه ابن الأربع سنوات.
وحسب أكثر من شاهد عيان؛ فإن أربعة مستوطنين على الأقل نفذوا الجريمة بحق عائلة دوابشة، وشاهدهم سكان البلدة وهم يفرّون من المكان باتجاه مستوطنة "معالي افريم" المحاذية للبلدة.
وقالت فتاة تسكن بالقرب من مسرح الجريمة إنها شاهدت المستوطنين وهم يحطمون زجاج نوافذ منزل عائلة دوابشة، ويلقون الزجاجات الحارقة داخله وهربوا من المكان على الفور.
ما تزال التفاصيل مرعبة.. فالكل في المكان يتحدث كيف كان الأب سعد يحاول إنقاذ طفليْه وزوجته من لهب النيران الحاقدة، فنجح في إخراج أحد الأبناء لكنه لم يتمكن من إنقاذ عليّ بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم تمكنه من الوصول إليه أو رؤيته.
الكل أصيب في الجريمة، وبسبب خطورة الحالة الصحية للمصابين تم نقلهم إلى مستشفيات الداخل بواسطة طائرة مروحية.
وحسب غسان دغلس مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية؛ فان منفذي الجريمة قدموا من مستوطنتي "يحي، ويش كودش" وهاجموا منزلين يقعان على مدخل بلدة دوما بالزجاجات الحارقة ومواد سريعة الاشتعال، وخطوا شعارات عنصرية باللغة العبرية مثل "الانتقام" و"انتقام المسيح"، ولاذوا بالفرار بعد إضرامهم النار في منزلين تعود ملكيتهما للمواطنين سعد محمد دوابشة -تم إحراقه بالكامل-، ومأمون رشيد دوابشة حيث أتت النيران على جزء منه.
في دوما شيّعوا جثمان الشهيد عليّ، العيون الباكية ما أكثرها، الكل ينظر إلى وجه محترق، فيما غاب عن مشهد التشييع الأب والأم اللذان يتلقيان العلاج من حروق الجسد قبل أن يستفيقا مجددا على حروق غياب عليّ إلى الأبد.
دفنوا عليّ وأهالوا التراب على جسده، قرؤوا الفاتحة، وغادروا المكان وهم يقولون "حرقوا الرضيع".