الرئيسية مقالات واراء
مؤسسات الدولة متواطئة، وتكيل بمكيالين؛ لا تترك شاردة أو واردة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا وتلاحق أصحابها وتحاسبهم بتهم تهديد الأمن الوطني، وتقويض نظام الحكم. في المقابل، لا تحرك ساكنا بحق جماعات سياسية وشخصيات نيابية، ترمي الأردنيين بأقذع الأوصاف، وتتهمهم بالفجور والرذيلة وارتكاب الفواحش.
مهرجان الفحيص الذي أوقد شعلته سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، ومهرجان جرش من قبل الذي افتتحه رئيس الوزراء، هما في تعريف هؤلاء "مواخير ودور رذيلة"، تمارس الفجور والمجون.
مهرجان جرش الذي احتضن أرقى الفرق الموسيقية هذا العام، وأجمل الأصوات العربية، وصدح صوت عمر العبداللات يوم افتتاحه بأجمل الأغاني الوطنية، واستقبل عشرات الشعراء والمثقفين العرب، صار في عرف هؤلاء فحشا ورذيلة. الآلاف من الأردنيين وضيوفهم العرب الذين شاركوا في فعالياته، كانوا رواد مواخير، حسب بيان جبهة العمل الإسلامي، وبعض النواب من "حبايب" الدولة.
لم يلفت نظر المتطرفين في "جرش" سوى حضور الفنانة الرقيقة نانسي عجرم. غاظهم حضور الآلاف لحفلها. ومما قالوه عنها، بدا لي أنهم تابعوا الحفل بتركيز كبير!
مهرجان الفحيص الذي كرّم عميد الصحافة الأردنية الراحل محمود الكايد "أبو عزمي"، واحتفى بقامات أردنية من وزن المؤرخ الكبير الدكتور محمد عدنان البخيت، وشخصيات سياسية كالدكتور عبدالسلام المجالي والمهندس سمير قعوار، وشاعر عربي بلغ العالمية هو أدونيس، كما أقام ركنا لمدينة مسقط العُمانية بتاريخها العربي والإسلامي العريق؛ المهرجان الذي يحمل منذ أن انطلق شعار "الأردن تاريخ وحضارة"، صار في قاموسهم "ماخورا". وبماذا يوصف رواد المواخير في هذه الحالة؟!
لم يرفع مسؤول رأسه ليرد الاتهامات عن مناسباتنا الوطنية، أو ينتصر لكرامة الأردنيين التي تعرضت لإهانات بشعة. صمتوا كلهم؛ الليبراليون والمحافظون.
ولم تتحرك جهة رسمية واحدة، وكأن أحدا فيها لم يقرأ أو يسمع بالبيانات المنشورة في جميع وسائل الإعلام، والتعليقات المهينة على صفحات "التواصل الاجتماعي".
"بوست" واحد تشتم منه رائحة التطاول، أو التعاطف مع الفكر المتطرف، يؤدي بصاحبه إلى السجن. بينما الإساءة لشعب بحاله، ولمؤسسات وطنية كمهرجاني جرش والفحيص، تقابل بالطبطبة والصمت.
تجريم الثقافة والفن والموسيقى، ليس تهمة تستحق المساءلة. ووصف رواد المهرجانات من المواطنين بالفجور والرذيلة، لا يحرك الحمية في النفوس. إنها شأن لا يعني الدولة في شيء؛ إذ ما دام الكلام لا يقترب من حدود السياسة، فلا خص للمؤسسات الرسمية فيه.
المعادلة ذاتها قائمة منذ سنين؛ افعلوا ما شئتم في المجتمع، لكن لا تقتربوا من مؤسسات الحكم، ولكم الأمان.
بعض من سنّوا سيوفهم في وجه المهرجانات، ورموا الفن والفنانين بأوسخ الصفات، هم وكما القول الدارج "في عب الدولة". حاضرون للدفاع عن الحكومات عندما يجدّ الجد، ويحظون بمعاملة تفضيلية في الانتخابات وسواها من مناسبات.
والتواطؤ مع هؤلاء مكشوف ولا يحتاج إلى براهين؛ فكل ما قالوه بحق المهرجانات والثقافة الأردنية، لم يلق ردا في وسائل الإعلام المحسوبة على الدولة؛ تلفزيون وصحف، وأقلام، ومواقع.
لم يتجرأ وزير أو صاحب دولة على الرد عليهم، فيما هرع البعض إلى مناسباتهم بحثا عن الشعبية.
متى ستتحرك الدولة للدفاع عن قيمها المدنية؟ هذا إن كانت صادقة فيما تدّعي.