الرئيسية مقالات واراء
بدءا ليس التسول حكرا على المال، انه يشمل جوانب عديدة في حياتنا، سواء كانت سياسية او ثقافية او اجتماعية، فثمة من يتسول الجاه بالتقرب من ذوي النفوذ واصحاب القوة سواء كانت اقتصادية او اجتماعية، وهناك من يتسول العاطفة اذا كان ممن حُرموا منها في طفولتهم . اضافة الى نوع ثالث من التسول، هو تسول الاعتراف، اي حاجة الانسان على اختلاف المهن والتخصصات الى اعتراف من حققوا ذاتهم به وبما ينجز . وفي كل هذه الحالات ثمة قاسم مشترك هو سايكولوجي بامتياز، فالمتسول لا استراتيجية له، لأنه يعيش من وجبة الى اخرى، لهذا فهو نافذ الصّبر على الدوام، ينصرف عن الطرف الذي يتقرب منه بسرعة، بحثا عن طرف آخر يلبي حاجته . المتسول بالمعنى الاقتصاي يستخدم كل ما لديه من خبرة في التظاهر بالضعف وقد يفرط في النفاق لأن مثله الاعلى هو تلك الموعظة القائلة : قبّل الكلب من فمه كي تأخذ حاجتك منه، وقد لا يجد حرجا في مسح لعاب الكلب عن فمه ما دامت الغاية تبرر الوسيلة . اما متسول الجاه فهو يدرك بأنه لا يملك قيمة او قامة يعترف بها الآخرون، فيلجأ الى التقرب ممن يعتقد انهم ذوو شأن، وبالطبع لا تكون العلاقة نديّة بينه وبين هؤلاء، فيده هي الادنى حتى لو انفق عليهم، وعند اللحظة الحاسمة يعاد الى موقعه لكن يحتال على ذلك بأن يقلد جُحا في احدى حكاياته، وهو ان ما يفعله به من هم اقوى منه يكرره مع من هم دونه حتى لو اضطر الى اهانة زوجته وابنائه بحثا عن توازن مستحيل . متسول الجاه مُصاب بالضرورة بالشيزوفرينيا فهو مشطور الى اثنين، احدهما ينحني حتى لا يلامس جبينه حذاءه والاخر يطلب من الاخرين ان يفعلوا ذلك معه، انه سادي وبالغ الفظاظة مع الادنى منه مكانة لكنه طيّع وبلا عمود فقري أمام سادته . أما متسول الاعتراف فهو قد يكون كاتبا او شاعرا او طبيبا، ويشعر بينه وبين نفسه بالنّقص والعجز عن تحقيق الذات اجتماعيا او مهنيا، فيلوذ بمن هم أشهر منه كي يظفر باعتراف مهما كان عابرا، وذلك كي يرمم به الثغرات النفسية التي يعاني منها سرا . تتعدد اشكال التسوّل لكن السايكولوجيا هي ذاتها !!