الرئيسية مقالات واراء
أنا مثلها تماماً...في ثقب صغير كشامة في كتف الطريق ،تمضي نملة مجتهدة تحمل بين فكيّها حبّة «يانسون»، حريصة الا تضيعها او تسقطها كعريس أحضر قطعة أثاث فاخرة لبيته الجديد ، لا يهمهما الوقت المستغرق للرحلة ما زال يقينها في الوصول لا يتبدّل...ولا يهمّها ثقل الحمل ووعورة الطريق ما دام يقينها ان حبة «اليانسون» ستعطّر وقتها في فصل المطر عندما يغمرها سرير الطين وقد امتلأت مستودعات قناعتها بأطايب الخزين..
في حلم صغير ، كشامة في كتف الدفتر..احمل أفكاراً اخزّنها للشتاء، حريص الا أضيّعها أو أسقطها أو احملها من غير مكانها كــ»فازا» عتيقة...وحريص الا اكتبها للصيف .. فالصيف أبٌ جاد والشتاء أم رؤوم...الصيف يريدك ان تسمعه وتطيعه حتى ينتشي ...والشتاء يريد ان يسمعك حتى يطرب ...في حضرة الصيف تتصبب أرقاً وعرقاً ونزقاً ، وفي حضرة الشتاء تغمرك دموع السماء كلما رأتك مشتاقاً فرحاً او عطشا...
عادة أكتب للريح ،للدوالي المائلة تحت «البلاكين»، للعشاق المحبوسين خلف أنفاسهم ..للعصافير التي ضيّعت أعشاشها، أصبح دليلا سياحياً لسرب «دويريات» يزور حارتنا للمرة الأولى ، في الشتاء أصبح مسّاحاً مرخصاً للغيوم أضع حدود المنخفضات وأقيس بالذراع اتساع السماء ، ابذرها دعاءً في كانون واحصدها في آذار استجابة ..
لا كيف في الصيف..الكل منشغل بالتأفف، الكل منشغل بإزالة علك الملل الملتصق بساعات النهار الطويلة..آب يشعل تنوّر الشمس منذ الصباح الباكر ..لتنضج أرغفة الفاكهة ، والشجر خبّاز عجول يريد ان ينهي «ورديته» ليعود للنوم مبكرا وقد سلم ثماره التي أتعبت الغصون.. ونحن الممددون في صالة العمر تتقلّب الفصول علينا...كــ»شفتات الممرضين» على «المريض» ليس بأيدنا الخروج أو القبول او الرفض فقط التأفف من الإقامة الجبرية في الطابق الرابع او الخامس او السادس أو السابع من العمر...
في الصيف ..لا ليل في الليل.. أجمع مثل النملة ما سقط على الدرب من «الحبّ» أو «الحُبّ» لا فرق..اخزّنه لفصل الفصول ، للورق المبلول ، للكراريس المنشفة على المدفأة ، اخبيء كل جميل لتشرين ..حيث يشبه الليل «شنبر أمي»..ويشبه الغيم لون عينيها الحزين، أخبىء «يود» اللغة لاصابع التعبير المشغولة بالنزف ...أما الآن فكل ما اكتبه هو فقط على شفير الحرف...