الرئيسية مقالات واراء
"حرارة فوق الخمسين وطوز؛ الأردن حقق شروط الانضمام لمجلس التعاون الخليجي". كان هذا واحداً من مئات التعليقات التي فاضت بها مواقع التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين، بعد موجة الحر الشديد التي ضربت الأردن ودول المنطقة.
كان طقسا خليجيا بامتياز؛ البيوت والسيارات تحولت إلى كبسولة مغلقة بإحكام، الشوارع شبه خالية من المارة في ساعات الذروة، الناس كسالى يتحركون بتثاقل.
والمفارقة أن المعاناة من موجات الحر أصبحت مثل معاناة العواصف الثلجية؛ طرق سالكة بحذر، وانقطاع التيار الكهربائي، وتعطيل مؤسسات حسب مقتضى الحال.
لم يسبق أن بلغت درجات الحرارة في الأردن هذا المستوى منذ سنوات. لكن الحالة ليست نادرة؛ دول كثيرة حول العالم أصبحت تعاني من تأثيرات التغير المناخي. كوكبنا العظيم بات يواجه أخطارا كبيرة، جراء ظاهرة الانحباس الحراري. قمة باريس العالمية للمناخ ستعقد قريبا، وعلى رأس أولوياتها تقليل انبعاث الغازات الدفيئة المسببة للانحباس الحراري، والتوصل لاتفاق دولي للإبقاء على ارتفاع درجة الحرارة بمعدل درجتين مئويتين عالميا.
لسنا جزءا من العالم الصناعي العملاق. لكننا، كسائر شعوب العالم، ندفع ثمن الانبعاث الهائل للكربون، وتأثيراته المدمرة على البيئة والغلاف الجوي، ومعدلات حرارة الأرض.
معظم الظواهر المناخية التي نشهدها تعود، في الأساس، إلى الاستخدام المفرط لموارد الأرض، بما يعرض التوازن البيئي للخطر.
الشركات الصناعية العملاقة في الولايات المتحدة على وجه التحديد، تعارض بقوة هذه السياسات للحد من التغير المناخي. لكن إدارة الرئيس باراك أوباما مصممة، أكثر من أي وقت مضى، على تحقيق اختراق نوعي، بالرغم من معارضة الشركات.
لكن مسؤولية حماية المناخ لا تخص الدول الصناعية الكبرى التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن تدمير كوكب الأرض، إنما الدول الصغيرة أيضا. على المستوى الوطني، ينبغي على الحكومات تبني سياسات رفيقة بالبيئة، خاصة في مجال الطاقة، والانتقال إلى المصادر البديلة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتخفيف انبعاث الغازات الدفيئة.
من يراقب حال عاصمتنا عمان، على سبيل المثال، سيصاب بالفزع على مستقبلها ونوعية الحياة فيها. المدينة تشهد نموا منفلتا؛ البناء الإسكاني يجتاح ما تبقى من مسطحات خضراء، والكربون المنبعث من أسطول المركبات يكاد يخنقها. سماء عمان في ساعات المساء تتلبد بسحب سوداء، كتلك التي تخيم في سماء القاهرة والمدن الهندية.
أمس وأول من أمس، وقفت عمان عارية من رداء خضرة يحميها من غبار كثيف وأتربة سممت طقسها، وأرهقت قلوب ساكنيها المتعبة.
المدن الأردنية الأخرى أسوأ حالا، وما تبقى من غابات يصارع من أجل البقاء في مواجهة اعتداءات لا تتوقف، وحرائق تلتهم الأخضر واليابس.
لسنا مسؤولين عن ثقب الأوزون، ولا التغير المناخي في اليابان والصين وأميركا وأوروبا. لكن بوسعنا أن نفعل الشيء الكثير لنحمي بلدنا، ونسد ثقوبا كبيرة في مناخنا. نعيد الاعتبار للون الأخضر في حياتنا وبيئتنا، ونطور سياسات رفيقة بالحياة النظيفة، ونفكر ببدائل واقعية في قطاعات النقل والطاقة، لعلنا نخرج من داخل هذه "الكبسولات" ونتنفس هواء نظيفا، ونقي أنفسنا شر "طوز" مجلس التعاون الخليجي.