الرئيسية مقالات واراء
في حرّ بيروت ورطوبتها سمعت الأغنية: شوب وزهر ليمون. ونسيتها بعد نصف قرن، لكن الذاكرة المثيرة استدعت الأغنية في هذا الشوب، ولعل اسم المغنية كان هلال وقيل انها ارمنية من حلب.
احد الزملاء كتب قبل ايام عن الحر والاعتياد عليه. ويظهر انه اراد ان يرفض التأفف الذي يسمعه من الناس. فهو يقول: ولدت وعشت حتى الثامنة عشرة من عمري في الاغوار الوسطى. وذهبت للدراسة في جامعة بغداد. وحر بغداد كحر الاغوار.. لكنه رطب. ويقول إنه ذهب لسنوات للعمل في قطر!!. ولم يشعر أن الحر كان غير طبيعي.
والزميل صادق الاحساس. فأمتنا خرجت من الصحراء حيث لا خضرة ولا ماء.. واجتاحت العالم بمساحاته الخضراء، وانهاره العظيمة: دجلة والفرات والنيل.. وبردى واليرموك لكن خلفاءها العظام كانوا يضيقون بدمشق، وببستان هشام فيهجرونها ويتنعمون بالبادية الأردنية، حيث غير بعيد كنا نرى في صحف الامس الغبار يغطي طائراتنا في زيزياء.. جارة القصور الاموية.
هل تنعمنا أكثر من اللازم هذه الايام فصار في كل بيت «مكيّف للهواء البارد»؟!.. يبدو أننا كذلك وهنا اجد في الامثال القديمة ما هو اكثر من الاحساس بالحر. فهذا الطقس القاسي يعلمك الصبر. ولعل الأديان التي نبعت من أرضنا جعلت من هذا النمط من الصبر ايماناً بالقضاء والقدر.. بحيث نداري الحر بالصبر. ولعل أبناءنا الذين تدلّلوا أصبحوا اكثر عدوانية في هذه الأيام الحارة، من غير أن ننسى حيلة التجار الذين لا يحبون مجادلة الاسعار في رمضان. فروحه.. في خشمه.
وللعرب طرائف صار التذكير بها نمط من وحشي اللغة. فالتئق هو قليل الصبر.. والمئق هو سريع الغضب كثير التشكي. فهو يسأل: انت تئق وانا مئق.. فمتى نتفق؟!.
للزميل العزيز الشكر على تنبهه لهذه الأيام الحارة الصعبة. وللذاكرة التي استحضرت الاغنية تذكرنا بلبنان: شوب وزهر ليمون!!. فالحرُّ يزعج قليلاً لكنه لا يمرّض.