الرئيسية مقالات واراء
دأبت الحكومات المتعاقبة منذ ما يقارب ثلاثون عاما على شحذ الهمم وإستنفار الوزارات والمؤسسات والسفارات في القطاع العام والشركات والأفراد والجاليات الأردنية بالخارج في القطاع الخاص لتشجيع وجلب الإستثمارات الى الأردن كوسيلة هامّة من وسائل مكافحة الفقر والبطالة من خلال إيجاد فرص عمل للأردنيّين ودعم الإقتصاد المحلي والدينار الأردني وزيادة الموجودات من العملة الأجنبيّة .
بالرغم من أنّ التوجيهات الملكيّة السامية في كتب التكليف لكل الحكومات عند تشكيلها تتضمّن التركيز على الموضوع الإقتصادي وبالأخص على تشجيع جلب الإستثمار كما لا تخلو أي زيارة للملك لخارج الأردن من تخصيص جزء مهم لذلك الشأن وذلك النشاط الملكي جلب معظم الإستثمارات الموجودة حاليا في البلد دون منيّة من الحكومات والإجتماع مع رجال الصناعة والإقتصاد في اي بلد يزوره وما دور الأردن في المنتدى الإقتصادي العالمي سوى خير دليل .
وغالبا ما ينعكس إستنفار الحكومات بشكل سلبي حيث لاحظنا هروب الكثير من المستثمرين الى خارج الأردن لكثير من العوامل المحبطة لهم وغير المجدية لإستثماراتهم ومن أهم تلك العوامل البيروقراطيّة الزائدة وعدم توفّر القناعة لدى الموظّف الأردني لخدمة المستثمر ظانّا ان ذلك إنتقاصا لكرامته او احيانا حسدا لوضع المستثمر وجنسيّته او طمعا بأن يكون شريكا او مستفيدا من ذلك الإستثمار وكذلك التشريعات والتعليمات والأنظمة غالبا ما تكون غير مريحة للمستثمر من حيث المباشرة بإستثماره او تنمية وتطوير ذلك الإستثمار او ان يكون ذلك الإستثمار جاذبا لمزيد من المستثمرين او عدم توفر الخدمات لموقع استثماره في الوقت المناسب أو جفاصة موظّف ما وسوء تعامله .
وقد عملت الإدارة الأردنيّة العليا على إنشاء النافذة الإستثماريّة الواحدة منذ ما يزيد على اثني عشر عاما ونقلت بعض الموظّفين من وزارات ودوائر ذات علاقة للدوام في وزارة الصناعة والتجارة على امل التسهيل على المستثمر وعدم الداعي له لمراجعته الشخصيّة لتلك الوزارات والدوائر ولكن تلك الخطوة لم تحرز الكثير من الفائدة لأكثر من سبب أهمُّها أن الحكومة لم تؤهِّل اولئك الموظفين للتعامل مع المستثمرين لأنّها لم تكن على علم أصلا بماهيّة وسبل جذب المستثمر كما ان اولئك الموظّفين لم يكن لديهم الصلاحيّة اللازمة ولا المعرفة الكافية بالتشريعات لتسهيل مهمّة المستثمر وكان تعيين اولئك الموظفين نتيجة لرضى مدرائهم عنهم فقط او نوع من انواع التنفيعة المتعامل بها في القطاع العام الحكومي وغاب عن بال الحكومة ان تدرّب موظفيها على برامج اشبه بالبرامج السياحية لإستقبال المستثمرين والتعامل معهم .
وارتأت الإدارة الأردنية العليا في عهد الحكومة الحاليّة إنشاء هيئة الإستثمار الأردنية حيث تعلن الحكومة أنّ الأردن يولي اهمية بالغة للاستثمار لما له من دور كببير في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة, والنفاذ الى الاسواق العالمية وزيادة قدرته التنافسية وتوفير فرص عمل ذات قيمة مضافة عالية وتمويل المشاريع التنموية.
وللحقيقة فقد فشلت الحكومات السابقة من وضع استراتيجيّة متكاملة واضحة المعالم والأهداف قابلة للتطبيق وقياس مدى نجاحها وارتباط كافة الدوائر والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الإستثماريّة وان تكون ملزمة لأي حكومة تأتي ويتم مراجعتها باستمرار على اعلى المستويات , وبدلا من ذلك كان التخبط في القرارات الحكومية والإجراءات المتّخذة النهج المتّبع منذ بدايات الخصخصة وانشاء المناطق التنمويّة والمناطق الإقتصاديّة الخاصّة وتغيير التشريعات الخاصّة بالإستثمار والضرائب وغير ذلك من التشتُّت مما افقد الحكومة مصداقيّتها والإستثمار جاذبيّته مع ما رافق ذلك من قصص فساد وتعدّي على المال العام واغتيال الشخصيّات العامّة والناجحة وهكذا تراجعت معظم حملات الإستنفار الحكوميّة الى ان جاءت الحملة الحاليّة والتي انطلقت خلال انعقاد مؤتمر المغتربين الأردنيّين خارج الأردن على شاطئ البحر الميِّت تحت شعار الأردن يجمعنا والذي كان برعاية ملكيّة سامية حيث اخذ الإستثمار فيه بعدا رئيسا للإهتمام السامي به مما حدى برئيس الحكومة الى الإجتماع الموسّع بعد ذلك في هيئة الإستثمار بجميع من لهم علاقة بذلك من القطاعين العام والخاص وبدا على دولة الرئيس الجدّية والتجهم بل وحتّى انه نصح كل من لا يصلح لذلك بالإبتعاد ليفسح المجال لغيره ممن لهم القدرة على الإبتسام للمستثمر وتقديم الخدمة له بالسرعة المطلوبة وحسب القوانين والأنظمة والتعليمات بما يعود بالفائدة على الوطن والمواطن والمستثمر معا .
نحن لسنا بحاجة لحملات استنفار او فزعات وردّات فعل لتشجيع الإستثمار واجتذاب المستثمر ليستقرّ في بلدنا بل نحن بحاجة لخطط وتسهيلات بناء على استراتيجيّة طويلة الأمد وتوعية مبكِّرة للشباب والصبايا ويجب ان نغيّر من ثقافتنا المبنيّة على التفكير الفردي (Linear Thinking ) الى الثقافة المبنية على التفكير التعاوني الجماعي (Cooperative Thinking ) لكي نسير على خطى صحيحة لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة في وطننا الأغلى والأعز .