الرئيسية أحداث دولية
أحداث اليوم -
عرضت قناة "بي بي سي عربي" يوم 31 يوليو/تموز الماضي، فيديو وثائقيا أقيمت له حملة دعائية تضمنت سؤالاً ليس فيه براءة ولا حيادية: "ما العلاقة بين حبوب الكبتاغون والثورة السورية؟".
بسرعة، نكتشف أننا لسنا أمام وثائقي بالمعنى المتعارف عليه، ولا هو عمل صحافي استقصائي، بل حشو مجهول المصدر يروي لنا أن حامل السيجار الفاخر "العلماني" (هكذا حرفياً يصفه التقرير) حوّل بنفخة من سيجاره الثورة السورية إلى "شيء آخر" تجاري وارتزاقي. هذا عدا عن مجموعة ملثمة يخبرنا عناصرها بطريقة درامية ــ لزوم "العمل الصحافي الاحترافي" بأضواء خافتة ــ عن "تعاطي الكل".
فيرتب أحدهم "كوتشينة حبوب" مطحونة ليشمها على طريقة هوليوودية، بينما يتأهب الثوار مقنعين تحديداً بالكوفية. في التقرير "الكبتاغون، مخدر الثورة السورية" (30 دقيقة)، لرضوان مرتضى، "رصدٌ" لكيف أصبح لبنان مصدّراً لحبوب الكبتاغون، وكيف دخلت هذه المخدرات سباق التسلح في سورية. واللافت أن "الشهادات الحيّة" في التقرير، "سقط سهواً" عن كلامها الإشارة إلى أنّ "حزب الله" مسؤول أساسي في لبنان عن تصنيع وتصدير هذه المخدرات، وقد صادرت القوى الأمنية اللبنانية هذا المخدر من منازل مسؤولين في الحزب في السابق.
الصورة المشوهة أن تعود "بي بي سي" إلى السيرة الأولى منذ 2011 لتصور تارة ثورة السوريين وكأنها مجرد "إشكالات بسيطة ستحل سريعا" عبر مراسلها في دمشق، أو من خلال تفردها في العمل أخيراً هناك دون بقية القنوات، فهي عودة تحمل الكثير من السقطات.
وفي سورية، وجدنا أنفسنا على امتداد عام ونصف نتلقى ذات الرواية الإعلامية: انظروا إلى "حبوب الجزيرة" المخدرة التي ترسلها للسوريين... هذا ما كان يخبرنا به ضباط أمن في بدايات حصار درعا، ثم تطور الأمر في اعتصامات حماة وحمص إلى نسخة طبق الأصل عن حبوب الهلوسة في سندويشات الفلافل ملفوفة بخمسمائة ليرة سورية.
ولاستحضار جدية الرواية كان يُؤتى بأم سورية لتسلم ابنها "المتعاطي" الحبوب. وفي صيف حماة ودوما كان يخرج من يدقق صارخاً في المشاهدين والشريط بـ"سلو موشين" انظروا كيف يرشون مياها مخلوطة بالمهلوسات. في الحقيقة استطاع هؤلاء عبر تلك النماذج الإعلامية أن يقنعوا جمهوراً مستعدا للاقتناع بأن كل شيء يدور حوله ليس أكثر من "تسطيل" من "مساطيل" يمثلون عليه دور ثوار حرية. باختصار شديد يراد أن تصنف مجموعات الشباب العربي الثائرة على أنظمتها الجائرة إما كمجموعات دربتها مخابرات خارجية في صربيا، أو كثوار "ناتو" ومهلوسين أو متآمرين صهاينة في سورية يتعاطون حبوب الكبتاغون.
صار الشغل الشاغل "لكل الأحزاب والمجموعات المقاتلة في سورية".
بينما يشير التاجر "العلماني" إلى أنه يقوم بالعمل "دعما لاثني عشر ألف مقاتل علماني في سورية"... لكن: كيف وأين ومتى؟ سقطت من قاموس "عراقة الصحافة"... وهذا مأزق آخر.