الرئيسية أحداث منوعة
أحداث اليوم -
يبدو أن الهدف من وراء الزيارات العائلية والاجتماعات ورؤية الأصدقاء وتبادل الأحاديث والاطمئنان على أحوالهم وتمضية أوقات جميلة برفقتهم، أمر فقد رونقه، ليحل مكانه لقاءات الكترونية، جوهرها التقاط الصور عبر الهاتف الذكي.
الهاتف الذي يحظى بالأولوية والأهمية القصوى بأي جلسة كانت، أثر على رؤية الناس لبعضهم بعضا والاستمتاع باللحظة والأجواء الحميمية الصادقة بينهم. والهدف الأساسي منها أخذ أكبر عدد ممكن من الصور بشكل مبالغ به ومشاركة الناس على مواقع التواصل بها. كما أن كثيرا من الأشخاص يخططون لارتداء أجمل الملابس عند الخروج فقط بهدف التصوير، ومشاركة الأصدقاء لديهم.
ذلك الأمر جعل الكثير من الأشياء تفقد قيمتها الحقيقية والمعنى الأساسي من حدوثها، فالمشهد الذي يتكرر يومياً في أي مناسبة، وبأي مكان، يتلخص بأشخاص يجتمعون ولا تفارق أيديهم هواتفهم الذكية، يلتقطون عشرات الصور بشكل متكرر ومستمر للمشهد الواحد، ومن ثم يبدأون بتحميلها ومتابعة ردود الفعل عليها على مواقع التواصل الاجتماعي حتى ينتهي الوقت بدون أن يتحدثوا أو يقضوا وقتاً ممتعاً ومفيدا مع بعضهم بعضا.
هند أسعد هي واحدة من هؤلاء الأشخاص التي باتت في الآونة الأخيرة تنتبه لهذه العادة التي وصفتها بـ”السيئة”، وذلك بعد أن بدأت اكتشاف أن خروجها مع صديقاتها لمكان عام أو لبيت إحداهن، وتمضية ساعات طويلة معهن، لم يضف لها شيئا، ولم يمكنها من معرفة أي جديد عنهن أو عن أخبارهن وكيف أصبحن!
والسبب هو استخدامها المتكرر لهاتفها والتصوير بكل لحظة، تبدأ منذ لحظة خروجها من المنزل حتى رجوعها للبيت، حتى أصبح هذا الأمر يزعج صديقاتها وينفرهن من أسلوبها الذي لا يتغير.
تقول “ذلك الشيء جعلني أشعر أنني أقضي جلّ وقتي فقط من أجل عكس جانب مبهج وسعيد في حياتي من خلال الصور التي ألتقطها بدون أن أكون قد حققت فعلاً هذه السعادة، وشعرت بها لأنني لم أقضِ أي وقت ممتع أو أعيش اللحظة مع الأشخاص الذين أتواجد معهم”.
هند ليست وحدها التي شعرت بهذه المشاعر. معاذ إبراهيم هو شخص آخر تفاجأ بسلوك أصدقائه الذي قرر أن يجمعهم على العشاء في بيته بعد مدة طويلة بهدف إعادة إحياء الأيام القديمة والاستمتاع ومعرفة أخبار بعضهم بعضا، خصوصا أن كل واحد منهم يعيش ويعمل في بلد مختلف.
غير أن ما حدث مع معاذ هو العكس تماماً، ما جعله يشعر بالندم على تنظيم هذا اللقاء وعدم التفكير بجمعهم مرة أخرى.
يقول “منذ اللحظة الأولى لفتحي الباب كان أحد الأصدقاء قد انهال علي بالسلام والثاني يصور بهاتفه اللقاء على برنامج “السناب شات” وبعد أن أنهى التصوير وتحميل الفيديو قام بالسلام علي، وبعدها بدأ الجميع باستخدام هواتفهم والتقاط الصور وتحميلها وعمل الفيديوهات، وبعد تجهيز الطعام أكثر من نصف ساعة وهم يقومون بالتقاط الصور للمائدة، ما جعل الطعام يبرد ويفقد لذته”.
ويضيف أن الحال استمر على ذلك حتى انتهاء السهرة وهم يتجادلون عن الصور الأجمل، وينظرون الى تفاصيل صغيرة جداً بالصورة لا يمكن أن يلتفت لها أحد، ذلك عدا عن الاتفاقات التي تتم بتقسيم تنزيل الصور على أكثر من حساب لاعتبارات غريبة ومختلفة، حتى انتهت السهرة وكأنهم لم يلتقوا من الأساس.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي النفسي د. محمد حباشنة، إلى أن هذه القصة تصنف تحت بند “الاضطرابات النفسية”، والمناسبة أصبحت بهدف التوثيق لها فقط، وبدل أن تحمل معنى الحميمية الاجتماعية تحمل الاستعراض الاجتماعي.
ويشير الى أن المشاركة الاجتماعية الأصل فيها أن تشارك ما هو مهم ومفيد، لافتا الى أن معنى الصداقة الحقيقية لا ينطبق على صداقة مواقع التواصل.
ويضيف أن ما نراه الآن هو تشارك في كل شيء حتى لو كان شخصيا للغاية وتتم إزالة كل الحواجز، لافتا الى أن هناك تواصلا سليما لكن ليس بهذه الطريقة، وللأسف الشديد أن “التواصل النوعي الذي نبحث عنه تم تغييره لإدخال التواصل الالكتروني عليه”.
ويذهب الى أن الأصل بالالتقاء هو التحدث والاستمتاع بالوقت والفضفضة، بحيث تكون جلسة نوعية، الا أن ما يحدث هو إساءة استخدام للتكنولوجيا، وتأثيرها السلبي على العلاقات الاجتماعية.
ويذهب الاختصاصي الاجتماعي د. حسين الخزاعي الى أن طبيعة الحياة في المدن وإيقاعها السريع جعلا الناس يحققون إشباعاتهم عن طريق التكنولوجيا، بسلوك جماعي بات من لا يمارسه يشعر بأنه مختلف عن الناس، مبيناً أن هنالك حالة من التقليد الأعمى ومحاولة إثبات الوجود بأي طريقة كانت.
ويشير الى أنه حتى لو حدث والتقى الأشخاص، فإن هذا اللقاء يكون باردا وجافا وخاليا من أي مشاعر، على عكس العلاقات في السابق.