الرئيسية مقالات واراء
سيسجل التاريخ للرئيس الأميركي باراك أوباما إنجاز المصالحة مع أشرس وآخر عدوين لأميركا في العالم؛ إيران وكوبا.
وللمصالحة الأميركية مع البلدين معنى ودلالة؛ إيران الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي المحكومة بمنطق "الثورة الإسلامية"، وكوبا النظام الشيوعي الوحيد الذي صمد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وحلف وارسو. هذا إذا استثنينا الصين لخصوصية تجربتها التاريخية في الحكم الشيوعي.
وفي الحالتين بدا أن ماحصل من تحول في السياسية الأميركية، ما كان ليحدث بوجود رئيس آخر غير باراك أوباما. إنها في الحقيقة لمسة أوباما اليتيمة في السياسة الخارجية الأميركية. لكنها ذات قيمة تاريخية فريدة.
اتبعت الإدارات الأميركية المتعاقبة سياسة شنيعة تجاه كوبا، تمثلت بالحصار الاقتصادي الذي استمر أكثر من خمسين عاما، وتدبير الإنقلابات للإطاحة بحكم الزعيم الكوبي فيدل كاسترو. وفي النتيجة مضى العشرات من رؤساء أميركا، وصمد كاسترو في السلطة، إلى أن ورّثها لشقيقه راؤول، لا بل وعاش لحظة رفع العلم الكوبي على سفارة بلاده في واشنطن، وزيارة وزير الخارجية جون كيري الأولى لهافانا بعد سبعين عاما على آخر زيارة لوزير أميركي.
في حالة إيران، كان السؤال حتى سنوات قليلة عن موعد الحرب على إيران؛ في الربيع أم في الصيف. لم يكن لأحد أن يتوقع غير الكارثة في الشرق الأوسط، بسبب سياسات الجمهوريين العدائية تجاه إيران. حدث كالذي شهدناه في فيينا قبل شهرين تقريبا، كان أبعد من الخيال قبل عهد أوباما.
ربما كان لسياسة العداء تجاه كوبا ما يبررها أميركيا في زمن الحرب الباردة. لكن أي خطر ستشكله الجزيرة الصغيرة على الامبراطورية الأميركية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي؟
قريبا ستعيد واشنطن علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، لكن رجال الأعمال ووكلاء الشركات الأميركية وصلوا إلى إيران في وقت مبكر. عجلة العلاقات الاقتصادية والصفقات الكبرى بدأت تدور في الاتجاهين.
سيكون لهذا البعد تأثير بالغ في المستقبل على الطرفين. توق الإيرانيين للانفتاح على أميركا والغرب لاحدود له، وحاجة الاقتصاديات الغربية للسوق الإيراني لا تقاوم.
في كوبا سيحصل نفس الشيء، وإن بمستوى أقل نظرا لحجم السوق الكوبي مقارنة مع إيران. لكن الكوبيين الذين عانوا الحصار لأجيال، يتحينون اللحظة للتمتع بمزايا الرأسمالية، والتكنولوجيا الأميركية.
على المدى القصير، سيكون حكم كاسترو الشقيق هو الرابح من المبادرة الأميركية، لكن بعد ذلك سيواجه تحدي الانفتاح داخليا، واستحقاقات السوق وثقافتها، وتطلع الكوبيين للتغيير في المجال السياسي.
إيران ستواجه نفس التحدي. لكن الوضع مختلف هناك، إيران دولة عميقة، ولها نفوذ إقليمي واسع، وتتمتع باقتصاد حيوي، ومستعد للمنافسة أكثر بكثير من الاقتصاد الكوبي.
التحول في إيران يتطلب وقتا أطول، وربما تشهد البلاد ولسنوات صراعا سياسيا بين قوى الثورة واتجاهات السوق.
في كوبا، مصير النظام الشيوعي معلق بأشخاص، لابل بالشقيقين كاسترو، بينما في إيران بقوى اجتماعية وسياسية ومؤسسات عسكرية واسعة النفوذ؛ قوى مستفيدة من الوضع القائم.
في المحصلة اختار أوباما سلاح السوق بدلا من الحروب والحصار، فمن سينتصر في إيران وكوبا أيديولوجيا السوق أم الثورة؟