الرئيسية مقالات واراء
حظي التسجيل المصوّر (فيديو) بعنوان "تخيّل عمان" (قرابة 15 دقيقة)، بجمهور كبير من المشاهدين، وباهتمام ملحوظ في أوساط شعبية عامة، لما تضمّنه من أفكار إيجابية مقترحة، يحلم بها كل مواطن أردني سوي للعاصمة عمّان!
فكرة التسجيل قد تبدو بسيطة، لكنّها على درجة من الأهمية، وتقف وراءها نخبة من الخبراء والفنيين الذين يعملون مع حركة "عمان 101"، التي أطلق فكرتها قبل قرابة عامين نبيل أبو عطا، وأصبحت اليوم تتشكّل من مجموعة كبيرة من المهتمين والمؤسسات الداعمة، ولديها 12 فريق عمل، تدرس وتحضّر لتقديم برنامج للعاصمة يتضمن الأولويات التنفيذية للمدينة، بعد أن نظّمت عددا من الاجتماعات مع المواطنين في أحياء متعددة منها، وتعرّفت على همومهم وأولوياتهم.
الفيديو يتضمن تصوّراً لحلمنا جميعاً عن عمّان المستقبل؛ على صعيد النقل العام، والخدمات الأساسية وتدوير النفايات، وكلفة الطاقة، وكيف يمكن أن تكون عمان صديقة للبيئة والسياحة والثقافة وآمنة، مريحة للأجيال الجديدة والمتقاعدين.. إلخ.
بالطبع، الصدى الذي تركه الفيديو لدى شريحة واسعة من المواطنين يتمثّل في المقارنة بين الحلم والواقع. لكن (باعتقادي) كانت تلك المقارنة هدفاً بحدّ ذاتها لتدفع بالمواطنين أبناء مدينة عمان، من طبقة تكنوقراطية ومثقفين وأساتذة جامعات، للمشاركة في وضع البرنامج الطموح لعمّان الحلم، ولتطوير المدينة بالاتجاه الصحيح المطلوب.
قبل قرابة عامين، كتبت عن مبادرة "عمان 101"، واتصلت بمنسقها نبيل أبو عطا، الذي عاودت الاتصال به أمس لدى كتابة هذا المقال، وكان يتحدث حينها عن حقّ أهل المدينة في اختيار أمين العاصمة ومجلس الأمانة، ممن يحملون برنامجاً ورؤية حقيقيين لتطوير المدينة. وخلال العامين الماضيين كان نبيل يطوّر مع زملائه فرق عمل، ويخصّب فكرته ويطوّرها، ولا ييأس من الوصول إلى حلمه، حتى إنّه اليوم بدأ يحضر للدراسات العليا في هارفارد في تخصص الإدارة العامة، بمجال المدن.
بصراحة، نحن بحاجة إلى شباب "مجانين" مثل نبيل، يؤمنون بالحلم والإرادة، لا شباب فقط يشتكون ويلومون المجتمع ويتذمرون من عمان ومن الوضع الاقتصادي. وما تقوم به حركة "عمان 101" هو عمل مبدع، يستبطن الرؤية المستقبلية لأهمية المدن واللامركزية الحقيقية التنموية في الإدارة، ومسؤولية المجتمعات والأحزاب والقوى المجتمعية المتعددة ودورها المفقود -أردنياً- في العناية بالمدينة وتطويرها، وتعزيز الانتماء الفعلي ومفهوم العمل العام. ومن الضروري أن نرى غداً مبادرات شبيهة في المدن الأردنية الأخرى.
ليس كل ما في عمّان سيئ، فهناك نقاط إيجابية عديدة، وهي متقدمة على أغلب العواصم العربية في الأمن والتنظيم والنظافة. لكنّها ما تزال دون الحلم بكثير، وأقل مما يمكن أن يقدّمه أهلها، وهي التي تحتوي على ثلاثة ملايين إنسان، نسبة كبيرة منهم من الطبقة الوسطى؛ من الفنيين والتكنوقراط والخبراء، ونسبة جيدة من أصحاب الملايين والعقارات. لذلك، من الضروري أن ننظر إلى المستقبل لا إلى الوراء.
ما يزال النقل العام متخلفاً، وما تزال النظافة أقل مما هو مطلوب، وتدوير النفايات بدائياً، ولم تصل عمان بعد لأن تصبح صديقة للبيئة والثقافة والفن. والتطور العشوائي هو المهيمن على مسيرة عمان، وهي تفتقد إلى الترابط الثقافي المجتمعي بين أجزائها، كما أنّنا لا نملك متحفاً لعمان نفسها، كما هي حال أغلب مدن العالم المتقدّم.
من الطريف في الفيديو (كما أخبرني نبيل) أنّ جزءاً منه تمّ تصويره في وسط البلد (عند مبنى سينما الحسين القديم)، بعد أن أثّثت المجموعة المكان وأضاءت المصابيح، لتقدّم نموذجاً لما يمكن إنجازه عملياً وليس خيالياً، في حال وُجدت الحركة المجتمعية التي تؤمن بذلك.