الرئيسية أحداث محلية
أحداث اليوم -
بسام بدارين
لا يتحدث العسكر في الأردن بالعادة بالملفات السياسية إلا نادرا، وعندما يحصل ذلك تختلط الأوراق السياسية خصوصا في بعدها الإقليمي.
وهو ما حصل خلال الـ48 ساعة الماضية، فبعد ساعات فقط من تصريح «غامض الخلفيات» لقائد حرس الحدود الأردني بعنوان «منطقة عازلة» شمالي المملكة، اشتعلت وسائط التواصل الاجتماعي وهي تتحدث عن الانبهار الشعبي بمناورة عسكرية ميدانية واسعة النطاق للقوات الخاصة في محيط مدينة الرمثا بمحاذاة درعا السورية.
المفاجئ في نبأ المناورة أن الملك عبد الله الثاني شارك شخصيا في قيادتها وهبط بطائرة هليوكبتر وسطها، وفي بعض الأنباء قفز بالمظلة، في الوقت الذي أثار فيه «غبار الآليات العسكرية» فرح أهالي المنطقة بعد رصد الجانب المدني المباشر في التعاطي مع التدريب العسكري، الذي قالت السلطات إنه «روتيني» وجرى في «أحد المواقع الميدانية» التابعة للقوات المسلحة.
عشية التحول التدريبي هذا كانت مدينة الرمثا والقرى المجاورة قد غرقت في الاستفسار عن استراتيجية الرد على توالي سقوط القذائف العشوائية القادمة من سوريا، وسط مؤشرات بأن الصبر الرسمي بدأ ينفد بعد قلق الأهالي ووقوع قتلى وجرحى.
قبل المناورة وظهور الملك وسط جنوده وغبارها برفقة قائد الأركان وكبار الجنرالات، كان قائد حرس الحدود العميد صابر المهايرة، وهو أصلا من قادة سلاح المدفعية في الجيش، يتحدث علنا عن الوضع الميداني في الشمال، ملمحا إلى أن بلاده يمكنها اعتبار «منطقة عازلة» خطوة فيها مصلحة للشعبين السوري والأردني، على ان مثل هذه المناطق تحتاج لموافقة مؤسسات الشرعية الدولية.
بالعادة لا يتحدث القادة العسكريون في الأردن بهذه المعطيات، لكن تعليق المهايرة يظهر بوضوح جرعة التسييس والتحديث التي طالت القوات المسلحة في ظل التحديات المجاورة، وتحديدا في نسختيها السورية والعراقية، حيث لا دولة بالجوار ولا جيشا نظاميا بل ميليشيات مسلحة معظمها مصنف في دائرة «العدو الأكيد « وبعضها في مستوى «العدو المحتمل» للأردن.
وفقا لخبير استراتيجي عسكري تحدثت معه «القدس العربي» فإن العقيدة القتالية للأردنيين تتضمن استراتيجيا التعامل مع المعطيات على أساس احتمالات تحول غالبية دول الجوار «لخصم محتمل»، وهي رواية للحدث تصادق عليها معطيات الوضع الميداني اليوم بجوار العراق وسورية حيث تقابل «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة» حرس الحدود الأردني، وحيث تنشط خلايا وعصابات التهريب المنظم.
بهذا المعنى لا يمكن لتصريح المهايرة ولمناورة الرمثا المتعلقة بعمل ميداني إختراقي مسلح ثقيل للقوات الخاصة في محيط كثيف سكانيا، أن تكون خارج السياق السياسي للموقف الدفاعي الاستراتيجي الأردني.
يعني ذلك ان مناورة القوات الخاصة وتصريح المهايرة ينطويان عمليا على «رسالة سياسية» قوامها عدم استبعاد خيار «المنطقة العازلة» بمظلة دولية إذا استمر القلق الأمني والحدودي الناتج عن هوية وملامح فصائل المعارضة السورية أولا، وعن التحديات التي ينتجها ملف اللاجئين ثانيا.
وقوامها أيضا إظهار الجاهزية مرة أخرى لاستخدام أقصى قوة من النار في مسرح العمليات لحماية الحدود والمصالح الأردنية.
دوائر التحليل السياسي تربط بين الحدثين، فمناورة القوات الخاصة في حضن مدينة الرمثا الحدودية مع سورية تقول ضمنيا بأن عمان جاهزة لسيناريو العزل أو المنطقة الأمنة عندما تتهيأ الظروف السياسية الإقليمية والدولية للمستجدات.