الرئيسية مقالات واراء
أصبحت "الوصفة" (أو الخلطة السحرية) جاهزة تماماً، و"المقادير" واضحة، و"المخرجات" محدّدة، وسيُطبخ "قانون الانتخاب" على نار هادئة في مجلس النواب في الدورة العادية المقبلة.
وإذا كانت التعديلات قد حظيت بدراسة معمّقة لدى "مراكز القرار" خلال الفترة الماضية، فإنّ "الطبّاخ" الحقيقي للقانون هو وزير الشؤون السياسية د. خالد الكلالده، الذي نجح في إقناع الأطراف الأخرى في الدولة ببديل عن "الصوت الواحد" الذي تمّ اعتماده منذ العام 1993، ويبدو أنّ خدماته شارفت على الانتهاء!
يحرص المسؤولون إلى الآن على عدم الكشف عن التفاصيل المحدّدة للتعديلات. لكنّ المؤشرات جميعاً تؤكّد أنّ المولود الجديد مستمد من مخرجات لجنة الحوار الوطني، لكن مع تعديلات جوهرية. فهناك اعتماد للقائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة، وصوتان للناخب؛ الأول للقائمة والثاني للمرشّح المفضّل له داخل القائمة، وفي النهاية تحسب الأصوات للقوائم، والتي تأخذ عدداً من المقاعد (في المحافظة) وفقاً لما أخذته من نسبةٍ الأصوات، وتكون الأولوية للمرشحّين الذين حازوا على أعلى الأصوات في كل قائمة.
بالطبع، لم يقتنع "السيستم" بالتعديلات الجديدة، إلاّ بعد أن تأكّد بالحسابات الدقيقة (بالورقة والقلم؛ على حد تعبير بعض السياسيين) من وجود ضمانات بشأن أمرين رئيسين: الأول، "البعبع الإسلامي"- الإخوان المسلمون (الجماعة الأمّ)؛ والثاني، هوية الدولة والتوازنات الديمغرافية والجغرافية، بما ينزع فتيل هواجس التيار المحافظ في الدولة.
القراءة الرئيسة تشير إلى أنّ التعديلات الجديدة (مبدأ النسبية في الانتخابات) ستمنع أي قوة سياسية من الحصول على مقاعد الأغلبية في الانتخابات المقبلة، وسيتكفل هذا المبدأ بتحجيم القوة الانتخابية للإسلاميين؛ إذ ليس من المتوقع أن تتجاوز قدرة أي حزب أو قوة سياسية الحصول على 17 مقعداً في المجلس القادم، فيما يبدو أنّ هناك توجّهاً داخل الدولة لإلغاء القائمة الوطنية، بينما لم نتأكّد بعد بشأن ما إذا كانت هي الأخرى ستخرج من الخدمة الانتخابية في ظل وجود أطراف سياسية ونيابية ما تزال تدفع للإبقاء عليها.
المرونة النسبية (المحدودة) التي أظهرها المسؤولون في الدائرة الصلبة لصناعة قانون الانتخاب، تعود لطبيعة اللحظة التاريخية الراهنة. فالعودة إلى "الصوت الواحد" في الانتخابات الماضية 2013 (بالرغم من كل الوعود والجهود السابقة للقضاء عليه، وفي مقدمة ذلك توصيات لجنة الحوار الوطني)، أتت تحت هاجس الخشية من "الربيع العربي"، وتحديداً صعود الإسلاميين في مصر وسيطرتهم على الرئاسة والأغلبية في مجلس الشعب هناك، ما خلق انطباعاً لدى "دوائر القرار" بضرورة تجنّب أي مجازفة كبرى بمصير البلاد، نظراً للمعادلة الأردنية المختلفة تاريخياً وجغرافياً وسياسياً.
أمّا في اللحظة الراهنة، فلم تعد هناك مخاوف كبيرة، وأصبحت القدرة على إدارة المعادلة الداخلية والتحكّم بمساراتها أكبر، ويمكن استثمار الفرصة الحالية بدرجة أكبر من الانفتاح السياسي الحذر والمدروس، بلا أي مخاطر أو مغامرات أو حسابات قلقة.
إذا ما سارت الرياح بما تشتهي سفن "الدولة"، فإنّ "السؤال الذهبي" يتمثّل في ما إذا كان الإخوان (الرئيسيون) سيشاركون أم لا؟ وهو سؤال لا يشعر المسؤولون باهتمام شديد تجاهه اليوم. لكن في حال قرر الإخوان ذلك (وعلى الأغلب سيشاركون تحت يافطة جبهة العمل الإسلامي)، فإنّ هناك بوادر ومؤشرات لمشاركة "الإخوان الجدد"، بعدما تمّ الإعلان عن نوايا لتحويل "مبادرة زمزم" إلى حزبٍ سياسي. وهناك احتمال بأن يتجمع الإسلاميون الآخرون لتشكيل تكتل إسلامي مقابل مرشحّي جبهة العمل أو الإخوان المسلمين.