الرئيسية مقالات واراء
عندما اختار الصهاينة ان تكون فلسطين هي وطنهم القومي كانت هناك ثلاثة مربعات سيواجهونها بشكل اساسي وهي المربع الأول سكان المنطقة والمربع الثاني هو احتلال الأرض اما المربع الثالث فهو المربّع الديني .
وكل مربع من هذه المربعات يعتبر قضيّة كبرى وقد تثير العالم ضدهم بل كل واحدة قد يعتبرها العالم المتحضِّر هي جريمة بحد ذاتها ويجب ان يُحضِّروا لدفوعاتهم عنها بشكل جيِّد ومُسبق قبل إرتكابها وكانوا يعلمون انهم بحاجة لتوافق دولي على مخططاتهم واجماع اممي على مراحل مشروعهم القومي .
وها نحن الآن بعد خمس وستون عاما نعود للمربع الأول حيث تحاول اسرائيل التنصُّل منه مستغلِّين الظروف الدولية والإقليمية السائدة لطمس حق العودة والتعويض للاجئين سكان الأرض الأصليبّين .
لا أحد ينكر قدرة اليهود وخاصّة الصهاينة منهم على استغلال الظروف وتجييرها لصالحهم بل واللعب بها وتحويرها وتبديلها بما يخدم مصالحهم واهدافهم وخططهم الإستراتيجية مستخدمين الوقائع والأشخاص والأدوات أسوء استخدام بما يعود بالخير والنفع عليهم .
فكما استغل ثيودور هرتزل الظروف التي كانت تمر بها انكلترا وبقية دول اوروبا آنذاك في نهاية القرن التاسع عشر فقدعمل على تجميع يهود العالم في مؤتمر بال في سويسرا في مثل هذا الشهر من عام 1897
حيث كانت الصهيونية حركة سياسية يهودية، ظهرت في وسط وشرق أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر ودعت اليهود للعودة إلى ارض الآباء والأجداد ورفض اندماج اليهود في المجتمعات الاخرى للتحرر من معاداة السامية والاضطهاد الذي وقع عليهم في الشتات حسب زعمهم، وبعد فترة طالب قادة الحركة بانشاء دولة منشودة في فلسطين والتي كانت ضمن الاراضي التي تسيطر عليها الدولة العثمانية .
وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي المجري الصحفي ثيودورهرتزل الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث والذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم وبعد تأسيس دولة إسرائيل اخذت الصهيونية على عاتقها توفير الدعم المالي والمعنوي لإسرائيل وكان أول من استخدم مصطلح الصهيونية هو الكاتب ناثان برنباوم الفيلسوف اليهودي عام 1890.
وقد عقد أول مؤتمر صهيوني في مدينة بازل في سويسرا ليتم تطبيق الصهيونية بشكل عملي على فلسطين فعملت على تسهيل الهجرة اليهودية ودعم المشاريع الاقتصادية اليهودية , ويرى البعض أن بدايات الفكر الصهيوني كانت في إنجلترا في القرن السابع عشر في بعض الأوساط البروتستانتية المتطرفة التي نادت بالعقيدة الاسترجاعية التي تعني ضرورة عودة اليهود إلى فلسطين شرطا لتحقيق الخلاص وعودة المسيح لكن ما حصل هو أن الأوساط الاستعمارية العلمانية في إنجلترا تبنت هذه الأطروحات وعلمنتها ثم بلورتها بشكل كامل في منتصف القرن التاسع عشر على يد مفكرين غير يهود بل معادين لليهود واليهودية.
ويعود ظهور الصهيونية لاسباب عدة منها فشل المسيحية الغربية في التوصل إلى رؤية واضحة لوضع الأقليات على وجه العموم، ورؤيتها لليهود على وجه الخصوص؛ في حين لعب وضع اليهود كجماعة وظيفية داخل المجتمع الغربي وهو وضع كان مستقراً إلى حدٍّ ما إلى أن ظهرت البورجوازيات المحلية والدولة القومية العلمانية فاهتز وضعهم وكان عليهم البحث عن وظيفة جديدة بالاضافة مناقشة قضية إعتاق اليهود في إطار فكرة المنفعة، ومدى نفع اليهود للمجتمعات الغربية .
وكان المؤتمر الأول في بازل (والذي كان مزمعاً عقده في ميونيخ، بيد أن المعارضة الشديدة من قبَل التجمُّع اليهودي هناك والحاخامية في ميونيخ حالت دون ذلك ), وكان برئاسة تيودور هرتزل الذي حدد في خطاب الافتتاح أن هدف المؤتمر هو وضع حجر الأساس لوطن قومي لليهود، وأكد أن المسألة اليهودية لا يمكن حلها من خلال التوطن البطيء أو التسلل بدون مفاوضات سياسية أو ضمانات دولية أو اعتراف قانوني بالمشروع الاستيطاني من قبَل الدول الكبرى. وقد حدد المؤتمر ثلاثة أساليب مترابطة لتحقيق الهدف الصهيوني، وهي: تنمية استيطان فلسطين بالعمال الزراعيين، وتقوية وتنمية الوعي القومي اليهودي والثقافة اليهودية، ثم أخيراً اتخاذ إجراءات تمهيدية للحصول على الموافقة الدولية على تنفيذ المشروع الصهيوني.
وفي المؤتمر الثاني في بازل والذي عُقد برئاسة هرتزل ايضا تم انتخاب لجنة خاصة للإشراف على تأسيس مصرف يهودي لتمويل مشاريع الاستيطان الصهيوني في فلسطين حيث تم الصرف على تهجير اليهود واستيطانهم في فلسطين.
وكان الهدف الإستراتيجي الأول للحركة الصهيونية دعوة الدولة العثمانية للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين والإقامة بها، وبعد رفض السلطان عبد الحميد الثاني عرضوا عليه بيع بعض الأراضي الفلسطينية فرفض رفضا تاما كما تولى مكتب الإمبراطور الألماني مهمة السماح لليهود بالهجرة لدى الدولة العثمانية لكن بدون تحقيق نتائج تذكر, فيما بعد، انتهجت المنظمة الصهيونية سبيل الهجرة بأعداد صغيرة وتأسيس "الصندوق القومي اليهودي" في العام 1901 وكذلك تأسيس البنك "الأنغلو- فلسطيني" في العام 1903.
ونرى ان مسرحية تقليص الوكالة الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين (الأنروا) خدماتها هو بمثابة تنصل دول العالم واسرائيل عن مسؤولياتها تجاه شعب تم احتلال ارضه وتشريده ومكافأة للمحتل وتخليصه من المربّع الأول في مشروعه القومي حيث تستغل اسرائيل إنشغال الحكام العرب في تثبيت كراسيهم وانصراف الشعوب العربية للبحث عن لقمة العيش والبحث عن الحقيقة في ثوراتهم والوضع الدولي المنشغل بمحاربة الإرهاب في اماكن عديدة واستغلال وقوف امريكا لجانبها خاصّة انها ستتلهى بانتخاباتها الرئاسية قريبا إضافة الى الضياع الفلسطيني وإنقسامه الذي دام عدّة سنوات حتى الآن .
ونحن نقف على عتبة مهمّة من عتبات الإنكسار العربي والتي ستلعننا عليها الأجيال القادمة حكّاما ومحكومين عدا عن لعنة السماء التي نراها في شكل ضحايا وزلازل وفيضانات وجرائم وانحدار القيم الى الهاوية وامراض متنوعة تصيب الكبار والأطفال والموت الفجائي وظواهر النسيان والضياع والطلاق والعونسة والتلوث الفكري , وتحكم الرويبضة في البشر والتطاول في البنيان والتفنن في ارتكاب المعاصي والحرام والآثام وعبادة المال والبنون وغير ذلك.
قال تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا ) صدق الله العظيم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((سيأتي على الناس سنوات خدّعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة))،
قيل وما الرويبضة يا رسول الله ؟ .. قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة» .
هذا حالنا وعلى الله إتِّكالنا .